من يمنعهم ولا من يردعهم، وقد ألقى الله تعالى الوهن والضعف في قلوب الناس منهم.
كانوا كثيرا ما يقتلون الناس فيقول المسلم: لا بالله لا بالله، فكانوا يلعبون على الخيل ويغنون -يحاكون الناس لابالله لابالله- وهذه طامة عظمى وداهية كبرى. وعلى الرغم من هذا كله إلا أن القتال إلى ذلك الوقت لم يكن قريبا من خلافة بني العباس.
ثم دخل عام 640هـ، وهنا تولى المستعصم بالله -رحمه الله- الخلافة، وكان عمره آنذاك ثلاثين سنة، وقد حفظ القرآن في شبيبته، وأتقن العربية والخط الحسن، وله غير ذلك من الفضائل فقد كان يكثر التلاوة ويحسن الأداء طيب الصوت يظهر عليه خشوع و إنابة، كما ذكر من سيرته وكان مشهوراً بالخير مقتديا بأبيه المستنصر وقد سارت الأمور في أيامه على السداد والاستقامة، إلى أن جاء عام 656هـ وكان فيه سقوط الدولة العباسية وانتهاء عصرها وأفول شمسها بعد أن استمرت ردحا من الزمن، وكما قال القائل:
لكل شي إذا ما تم نُقصان ... فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول ... من سره زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تبقي على أحد ... ولا يدوم على حال لها شان
وقد كان لهذا السقوط قصة، وأي قصة؟؟
هذه القصة كانت قصة دامية بحق، وقد جرَّت على الأمة الإسلامية كثيرا من الويلات، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} (3)، والسعيد من أخذ من قصص الزمان عبرة وعظة له.
يذكر أهل التاريخ أن المستنصر -والد المستعصم- رحمه الله كان ذا همة عالية، وشجاعة وافرة، ونفس أبية، وعنده إقدام عظيم، وقد استخدم جيوشاً كثيرةً وعساكر عظيمة في الخلافة، كما كان له أخ يُعرف بالخفاجي رحمه الله، كان يزيد عليه بالشجاعة والإقدام، وقد ذُكر عنه أنه كان يقول: إن ملّكني الله الأرض لأعبرن بالجيوش نهر ديجون، وأنتزع البلاد من التتار وأستأصلهم.
فلما توفي المستنصر فضّل أكابر الأمراء ممن كانوا بعده أن يعّين المستعصم، لأنهم خافوا من إقدام الخفاجي، وعلموا في المستعصم ضعف رأيه وانقياده لهم فأرادوا أن تكون لهم الكبرياء فأقاموه خلفا للمستنصر.
ومع الأسف الشديد بداية الطامة والمصيبة العظمى التي أدت إلى سقوط دولة بني العباس، أن الخليفة المستعصم بالله- غفر الله له- قد اتخذ وزيراً خبيثاً رافضي المذهب يقال له: ابن العلقمي وذلك في عام 642هـ، وابن العلقمي هذا قد حبب إلى الخليفة جمع المال والتقليل من العساكر، ولم يعصم المستعصم بالله في وزارته، ولم يكن وزير صدق ولا مرضي الطريقة، وكان ابن العلقمي معادياً للأمير أبي بكر ابن الخليفة وأصحابه، لأن أبا بكر كان من أهل السنة، وقد نهب الكرخ ومحلة الرافضة في بغداد، حين سمع عن الروافض أنهم قد تعرضوا لأهل السنة بالأذى، والمتأمل في التاريخ يجد أن الروافض لم تمض سنة من السنوات إلا ويكيدون لأهل السنة مئات المكائد.
فلما دخل أبو بكر -ابن المستعصم- ومن معه فعلوا بالروافض أمورا عظيمة، ونهبوا دور قرابات ابن العلقمي، وقد حدث ذلك عام 555هـ، وحينذاك فقد تملك الحقد من ابن العلقمي، وأضمر في نفسه الغل، واشتد حنقه على أهل الإسلام، وكان مما أهاجه على تدبير أكبر مكيدة على الإسلام مما وقع من الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ أبشع منه، منذ أن بنيت بغداد وحتى وقوع هذه الحادثة، وكتب الوزير ابن العلقمي إلى الخليفة بإربل وهو تاج الدين محمد بن صلايا -وهو أيضاً رافضي- رسالة يقول فيها: "نُهب الكرخ المكرم والعترة العلوية، وقد عزموا لا أتم الله عزمهم -أي أهل السنة- ولا أنفذ أمرهم على نهب الحلة والنيل، بل سولت لهم أنفسهم أمراً فصبر جميل، والخادم قد أسلف الإنذار وعجل لهم الأعذار، فلا بد من الشنيعة بعد قتل جميع الشيعة، وإحراق كتب الوسيلة والذريعة، فكن لما نقول سميعا وإلا جرعناك الحمام تجريعا، ولآتينَّهم بجنود لا قبل لهم بها و لأخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون".
¥