تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فخرج الخليفة المستعصم بالله في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء ورؤوس الأمراء والأعيان، وذلك بمشورة من ابن العلقمي الذي ما أراد بهم خيراً، فلما اقتربوا من منزل السلطان هولاكو، حجبوهم عن الخليفة وقتلوا عن آخرهم، ولم يبق مع الخليفة إلا سبعة عشر نفساً، وأحضر الخليفة بين يدي هولاكو فسأله عن أشياء كثيرة، فيقال إنه اضطرب كلام الخليفة من هول ما رأى من الإهانة والجبروت، ثم عاد إلى بغداد وفي صحبته خوجة نصير الطوسي الرافضي والوزير بن العلقمي، وقد أُحضر من دار الخليفة شيئا كثيرا من الذهب والحلي والجواهر والأشياء النفيسة.

ثم أشار أولئك الملأ من الرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو أن يصالح الخليفة، فقال الوزير ابن العلقمي -لكيده ومكره وحقده على الإسلام وأهله- متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر إلا عاماً أو عامين ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك، فحسّن لهولاكو قتل الخليفة، فلما عاد الخليفة لهولاكو أمر بقتله، وقيل إن من أشار بقتل الخليفة الوزير ابن العلقمي والمولى نصير الطوسي وكلاهما رافضي، وكان النصير عند هولاكو قد استصحبه ليكون في خدمته كالوزير المشير.

تأمّل!

لما قدم الخليفة إلى هولاكو تهيب من قتله لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما تهيب من ذلك -رغم جبروته وطغيانه- هوّن عليه الطوسي الرافضي والوزير بن العلقمي ذلك فقتلوه، قيل إنه خنق خنقا، وقيل إنه أغرق وسبحان الله: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكَ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وََتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (5). فباءوا بإثمه وإثم من كان معه من سادات العلماء والقضاة والأكابر والرؤساء والأمراء وأولي الحل والعقد في بلاده، ثم بعد ذلك مالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والشيوخ والكهول والشبان، ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش وقنا الوسخ، وكمنوا كذلك أياما لا يظهرون، وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب، فيفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون إلى أعلى الأماكن فيقتلونهم بالأسطح حتى تجري الميازيب من الدماء في الشوارع، وكذلك كانوا يدخلون عليهم في المساجد والجوامع، ولم ينجُ منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إلى اليهود والنصارى! وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي!، وكذلك طائفة من التجار أخذوا لهم أمان بما بذلوا عليه أموال جزيلة حتى سلموا وسلمت أموالهم.

وعادت بغداد -بعد أن كانت آنس المدن كلها- خرابا، ليس فيها إلا القليل من الناس، وهم في خوف وجوع وذلة وقلة، وصدق فيهم قول القائل:

ودارت على الإسلام أكبر فتنة ... وسلت سيوف البغي من كل غادر

وذُلّت رقاب من رجال أعزة ... وكانوا على الإسلام أهل تناصر

وأضحى بنو الإسلام في كل مأزق ... تزورهموا غرثى السباع الضوامر

وهتّك ستر للحرائر جهرة ... بأيدي غواة من بوادٍ وحاضر

وجاءوا من الفحشاء مالا يعده ... لبيبٌ ولا يحصيه نظم لشاعر

وبات الأيامى في الشتاء شواعثا ... يبكّين أزواجا وخير العشائر

وشتت شمل الدين وانبتّ حبله ... وصار مضاعاً بين شر العساكر

وقد اختلف في عدد القتلى ممن مات ببغداد من المسلمين في هذه الواقعة، فقيل ثمانمائة ألف، وقيل مليون، وقيل بلغ القتلى مليونين، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وكان دخول التتار إلى البلاد في أواخر محرم، ومازال السيف يقتل أهلها أربعين يوما، وكان قتل الخليفة المستعصم بالله يوم الأربعاء رابع عشر من شهر صفر، وعفي قبره ولم يعرف، وقُتِل معه ولده الأكبر أحمد وولده الأوسط، وأسر ولده الأصغر مبارك، وأسرت أخواته الثلاث فاطمة وخديجة ومريم، وأسر من دار الخلافة من الأبكار ما يقارب ألف بكر فيما قيل، والله أعلم.

وكان الرجل من بني العباس يُستدعى به من دار الخلافة، فيخرج بأولاده ونسائه فيُذهب به إلى مقبرة الخلاّل، فيذبح كما تُذبح الشاة، ويؤسر من يختارون من بناته وجواريه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير