[فهرنهايت 451 ....]
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[16 - 07 - 07, 03:39 م]ـ
451 فهرنهايت
روايةراي برادبوري التي كتبها عام 1953 - والتي احتفل العالم منذ عامين بمرور خمسين عامًا على صدورها -صارت علامة بارزة ليس في أدب الخيال العلمي فقط، ولا في الأدب السياسي فحسب، بل إنها أضافت مفاهيم جديدة إلى اللغة الإنجليزية ذاتها .. ولسوف تجد أن الكلام عن السلطة الشمولية القمعية وغسل وسائل الإعلام لعقلالبشر لا يكتمل إلا بذكر (451 فهرنهايت) و (1984) رائعة أورويل و (عالم جديد شجاع) لهكسلي ..
وما من مرة طالعت فيها هذه التحفة الرائعة إلا وأيقنت أن العلم يحبو ولعله غادر الحبو إلى العدو نحن الواقع المؤلم الذي تصفه تلكم الرواية الرائعة ..
تدور أحداث الرواية حول (مونتاج) – لاحظ الاسم - رجل المطافئ الذي يمارس عمله بحماس .. سوف نعرف أن رجل المطافئ في هذا العصر – وهو مستقبل غيربعيد - مهمته محددة جدًا: أن يحرق .. يحرق الكتب كل الكتب بكافة أشكالها في هذا الزمن تعامل الكتب معاملة المخدرات .. ربما يحرق مالكيهاكذلك .. يقتل العلم وأهله فالزمن ليس زمنهم تلك حياة لاهثة ياصاحبي .. لا تحتمل تؤدة أولئك القوم الذين لازالوا يمارسون تلك العملية المهمة التي يدعونا: التفكير ......
ودرجة الحرارة المفضلة للحرق هي 451فهرنهايت .. إن هذا العصر قد استغنى تمامًا عن الكتب واستبدل بها ثقافة الصور المرئية. كل بيت فيه تلفزيون عملاق لا يغلق تقريبًا .. أربع شاشات على الجدران وثمة طريقة إلكترونية تسمح لمعدي البرامج بأن يخاطبوك بشكل شخصي. هذا زمان السيطرة الإعلامية والخطاب الموجه للاوعي والغريب أن هذا الخطاب يأتي بنتائج مبهرة ..
هل شاهدت إعلان المشروب الغازي الذي يصور لاعب كرة أو ممثل يشربه؟؟
هل تستطيع أن تصوغ دلالة واحدة منطقية لهذا الإعلان؟؟
لكن لاتشغل ذهنك فهو خطاب اللاوعي ... أنت تحب اللاعب ... يقترن في اللاوعي بالمشروب ... فتطلبه في المطعم بعد الغذاء مباشرة ...
تلك هي الثقافة المرئية ...
إن مونتاج جزء من النظام .. أحيانًا هو النظام ذاته .. إلى أن يُلقى حجر في بركةحياته الراكدة .. هذا الحجر هو فتاة رقيقة ما زالت تحاول أن تعيش بالطريقة القديمة .. تسأل أسئلة .. تتمهل فلا يأخذها تيار الحياة المندفع .. تستنشق الزهور ... تستمتع بالمطر ... بشر من لحم ودم .. لاكائنات شبه آلية جامدة باردة العواطف أو مصطنعة المشاعر ....
إنها تقول له: ((أنت تضحك بينما أنا لاأقول دعابات .. وتجيب بلا تفكير دون أن تتروى لتفهم كلماتي)) (ص/16) ...
متمهلة هي في زمن لاهث لايرحم ألايذكركم هذا بشيء ...
تقول له: ((الصبية في عمري يتسلون بقتل بعضهم .. لقد أطلقتالشرطة الرصاص على ستة منهم العام الماضي .. وماتعشرة منهم في حوادثسيارات .. )) (ص/44) ..
هل سمعت عن شيء مثل هذا في عالمك اليوم ياصاحبي؟؟؟
(مونتاج) يعيش مع زوجته التي تنتمي لهذا العالمأكثر من اللازم .. زوجته التي لا تكف عن متابعةإعلانات التلفزيون وتنتحر كل ليلة، ثم تصحو فيالصباح وقد نسيت ذلك! .. في الفيلم الذي قدمه فرانسوا تريفو عام 1969 .. قامت الممثلة جولي كريستي بالدورين معًا (الزوجة والفتاة) كجزء من الرمز الصعب.
ثم تأتي الطامة الكبرى من عجوز صممت ألا يحرقوا كتبها .. بل فضلت أن تحترق معها .. ((كل هؤلاء المخابيل يفضلون الموت مع كتبهم .. هذا نمط سلوكي معتاد)) هكذا يقول زملاء مونتاج ليخففوا عنه صدمة ما رأى ...
هذه هيالهزة التي تدفع (مونتاج) دفعًا إلى أن يسرق كتابًاأو كتابين ليعرف سر هذه الأشياء الممنوعة التي يفضلالناس أن يحترقوا معها .. وتدريجيًا يندمج في هذاالعالم السحري، ويحاول أن يتفادى شكوك رئيسه
في جلسة حميمة يقول له رئيسه في كلمات تعبر تماماً عن واقع مايريد لنا سادة العولمة في مانهاتن:
((في الماضي كانت الحياة هادئة تسمح بالاختلاف .. ثم في القرن العشرين تسارعت الحركة .. صارت الكتب أقصر ثم اقتطعت لتكون مجرد تعليق في كتابمختارات .. أدر عقل الإنسان في آلة الطرد المركزي لتتخلص من كل الأفكار غير المجدية المضيعة للوقت .. انشر المزيد من الرسوم الهزلية في الكتب .. أعطالناس صورًا أكثر .. الرياضات الجماعية ممتعة وتغريبعدمالتفكير .. )).
¥