غير أن نفسه المرهفة النقية لا تطيب أن تتغذى بشيء ينازع فيه الورع، حيث يختلج في صدره عدم وجود القائمين على الأوقاف على الوجه الأكمل، فلذلك هان عليه ترك أكل فاكهة الشام، وهي بستان الفواكه ومعدنها، ورضي أن يقيم صلبه ويسد رمقه بما يرسل به أبواه من كعك يابس وتين حوراني، أو خبز ما يكفيه جمعة فيأكله، ولا يأكل سوى لون واحد من الإدام دسا أو خلا أو زيتا.
وحكى اليافعي أنه عوتب في عدم والتزوج وقيل له: هو سنة كبيرة، ولم يبق عليك من السنة إلا هو، وكذلك محاسن فقال: أخفا أن أتى بسنة وأدخل في محرمات كثيرة.
أما عبادته فقد قال الأستاذ عبد الغني الدقر: ومع هذا كان النووي اشتغال في العبادة قال البدر بن الباقر، وكان ـ، أي النووي ـكثير العبادة.
وقال تلميذه ابن العطار، كان كثير التلاوة، كثير الذكر لله ـ تعالى ـ
وقال القطب اليونيني: إنه كان كثير التلاوة للقرآن والذكر معرضا عن الدنيا، مقبلا على الآخرة من حال ترعرعه.
وقال ابن العطار: ذكر لنا صحابنا أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي الفاضل ـ نفع الله به في حياة الشيخ ـ رحمه الله ـ قال:
كنت ليلة في أواخر الليل بجامع دمشق والشيخ واقف يصلي إلى سارية في ظلمه، وهو يردد قوله تعالى " وقفوهم إنه مسئولون " مرارا بحزن وخشوع، حتى حصل عندي من ذلك شيء والله أعلم.
وفي البداية والنهاية لابن كثير: وكان يصوم الدهر
وقال اليافعي: كان كثير السهر في العبادة والتلاوة والتصنيف.
صدعه بالحق وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر
فمن صدعه بالحق ونصيحته وأمره بالمعروف ـ رحمه الله ـ هذه الرسالة التي أرسلها إلى نائب السلطنة بقول: " خدمة الشرع العلماء بدمشق المحروسة ينهون أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أخذ عليهم العهد بتبليغ الشرع إلى المكلفين، ونصيحة اله ـ تعالى ـ وكتابة ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وولاة الأمر بتبليغهم شرائع الأحكام وإرشادهم إلى شعائر الإسلام، بفعلها ونشرها … إلى أن قال مفندا قول من اعترض على ذلك:
فهذا المخذول مخطئ جاهل، بل إن اعتقد هذا كان كافرا ـ لأن ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ هو الحق والصواب الذي يجب على كل مكلف الانقياد له، والمسارعة إلى قوله والشراح الصدر له، ثم استدل على ذلك بقوله ـ تعالى ـ " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " (النساء: 65)
ويقوله ـ تعالى ـ " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون " (النور: 51).
قال: وكل ما خالف سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو البدعة والضلالة والغباوة والجهالة والسفاهة والرذالة.
قال: بل هذه طريقة الكفار في مدافعة دين الإسلام:
" ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون " (التوبة: 32).
قال: ويجب على ولي الأمر ـ وفقه الله ـ لطاعته إذا سمع هذا الزاعم الجاهل الضال الغاشم المتجاهل وغيره ممن يقول نحو هذا القول في مدافعة الحق الاغتارض على سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يؤديه تأديبا بليغا يزجر به هو وأمثاله، ويشهر أمره لينكف أهل الجهالة والضلال عن مثل فعله.
قال: وليعلم أن المراد بالاستسقاء امتثال أمر الله ـ تعالى ـ والاقتداء برسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو مصلحة فاخرة أو سعادة معجلة ومنه من الله تعالى يشكر على التوفيق لها، أما نزول المطر فهو الله تعالى.
ليس المراد بالاستسقاء تيقن من تزول المطر، فإن علم الغيب، وإنزال الغيث وغيره من الكائنات إلى ربت العالمين إلى أن قال: وليعلم أنه ليس للاستسقاء شروط تعتبر في صحته سوى اجتماع الناس والصلاة، وهذا متيسر لا مانع منه لكن قال العلماء: يستحب لولي الأمر أن يأمر الناس قبل الخروج للاستسقاء بالتوبة من المعاصي، ومصالحة الأعداء والصدقة، وصيام ثلاثة أيام، ويخرجون في اليوم الرابع صياما، قال: وهذا أدب مستحب وليس بواجب ولا شرط، ولو ترك صح الاستقاء، ومع هذا فهو هين لا كلفة فيه، فإن معناه أن ولي الأمر يأمر بعض نوابه أن ينادي في الناس بذلك وليس معناه أو ولي الأمر بأمر بعض نوابه أن ينادي في الناس بذلك وليس معناه أن يحكم على قلوبهم بفعله، فإن ذلك لا يقدر عليه
¥