حتى مل الناس حديثها، وصاروا يتنبؤون بما سيكتب فيها، فلا جديد يذكر ولا قديم يعاد، وقال صديقي محتجا لرأيه بامكانك أن تنظر في نسبة مقروؤيتها، فهي جريدة كاسدة لا يقرأها إلا نزر يسير من الناس، لا لكونهم ضد التيار الإصلاحي أو لكونهم تنكروا لابن باديس ولكن لرداءة ما يعرض فيها، وأصررت حينها على موقفي في الدفاع عن الجمعية وبقيت وفيا لها، كما أنا الآن، غير أني أتألم لما صارت إليه هذه الجمعية من البعد عن الإبتكار والتجديد، كما أتألم لإهمالها ذلك التراث الإصلاحي القيم والخالد كم من مقالة وكم من قصيدة ذهبت الآن هدرا كأن لم تكن بالأمس صاعقة هدت صروحا وهزت عروشا، والله إنها لمسؤولية كبيرة ووزر أكبر أن نضرب صفحا عن هذا التراث أو أن نمحوه ـ عمدا أو سهوا ـ بجرة قلم.
...
في الحقيقة أردت أن أكتب عن صديقي وأستاذي الذي لم أره قط إلا في الصور القديمة ـ السوداء والبيضاء ـ ألا وهو العلامة الكبير والخطيب الخطير والشاعر الفحل الشيخ الطيب العقبي ـ طيب الله ثراه وجعل الفردوس مأواه ـ الذي لا يعرفه إلا القلة القليلة من الناس بما فيهم أولئك الذين ينتسبون للعلم والثقافة.
ويمكن أن أقول عن الطيب العقبي " مصلح أضاعه قومه" لكونه ـ رحمه الله ـ قضى عمره مجاهدا في سبيل الله ودفع الغالي والنفيس من أجل إصلاح هذا الشعب وهذا المجتمع الجزائري منذ حلت قدماه بأرض الجزائر سنة 1920 م إلى أن توفاه الله وحيدا سنة 1960 م، ثم كان جزاؤه جزاء سنمار، فصار يحلوا للبعض حينها أن يتشفى بموت الطيب العقبي الذي أقض مضاجعهم مدة 40 سنة، كما صار يحلوا للبعض ان يقزم الرجل ويقزم جهوده الإصلاحية ليجعل منه نكرة أو علامة استفهام على قارعة طريق الإصلاح في الجزائر، وكان العقبي لسن حاله في حياته يوقول:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم ... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
ولكن صار لسان حاله يقول من الغربة بعد موته:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
اقف متعجبا من بعض المنسبين للعلم يُسأل عن الطيب العقبي فيعتقد انه كان ربما من الفاتحين الذين فتحوا المغرب الإسلامي مع عقبة بن نافع، هذا إذا تشدق بعضهم وتكلف ما لا يعلم، وإلا فإن الأغلبية الساحقة لا تعرف لا القليل ولا الكثير عن الطيب العقبي، إنه لا شيء بالنسبة للبعض.
...
وغيرة مني على أن يذهب جهد علم من علمائنا هدرا ـ وأنا كلي يقين بأن جهده وجهاده أثبته الملكان وسيلقاه عند ربه، ونسأل الله أن يضاعف أجره وحسناته ـ ارتأيت أن أخصص هذه الصفحات لإثبات أي شيء يتعلق بحياة شيخنا الطيب العقبي، كما أدعو سائر المنسبين إلى هذا الملتقي إلى الإدلاء بدلوهم في هذا الشأن لإثراء الموضوع ولكفاية هذه الشخصية حقها، وبارك الله في الجميع
تحياتي
الطيب العقبي
ـ[الطيب العقبي]ــــــــ[21 - 07 - 07, 03:06 م]ـ
الطيب العقبي رائد الدعوة السلفية في الجزائر
الشيخ الطيب العقبي علم من أعلام الجزائر وواحد من أكبر علمائها، وأشهر دعاتها، ورمز من رموز الدعوة السلفية فيها، وذلك بشهادة أنصاره ومحبيه وباعتراف أعدائه ومخالفيه، ومع كونه كذلك فإننا وجدناه قد أخمد ذكره ولم نجد من يهتم بآثاره فيجمعها وبأفكاره فيجليها وينشرها، فما سأقوم به في هذه الأسطر ما هو إلا محاولة جمع لما تفرق من أخباره، وتذكير ببعض فضله وإشارة إلى أهم أصول دعوته.
المطلب الأول: النشأة وبداية النشاط
أولا: مولد الطيب العقبي ونشأته
هو الطيب بن محمد بن إبراهيم، من عائلة محمد بن عبد الله التي تنتسب إلى قبيلة أولاد عبد الرحمن الأوراسية.
ولد في شهر شوال سنة 1307 هـ الموافق لـ 1890 م في ضواحي بلدة سيدي عقبة التي ينسب إليها.
وهاجرت أسرته كلها إلى المدينة المنورة في سنة 1895 م أثناء حملات الهجرة التي سببتها محاولة فرض التجنيد الإجباري على الجزائريين في صفوف الجيش الفرنسي.
وفي المدينة النبوية حفظ القرآن الكريم ودرس العلوم الشرعية، ورغم أن والده توفي وهو في سن الثالثة عشر فإنه لم ينقطع عن الطلب واستمر فيه.
واشتغل بالتدريس هناك، ونشر في الصحف مقالات أكسبته صداقة بعض المصلحين كشكيب أرسلان ومحب الدين الخطيب.
¥