تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ودعنا من تعداد الآباء والأجداد والمفاخرة بالألقاب والأنساب، لأن ذلك ليس بمذهب لي، فإني في جملة البشر أحسب، وإلى جدنا الأكبر وأبينا آدم أنسب، وإني في هذا المذهب أوافق صديقي معروف الرصافي حيث يقول:

قالوا ابن من أنت يا هذا؟ فقلت لهم ** إني امرؤ جده الأعلى أبو البشر

قالوا فهل نال مجدا؟ قلت: واعجبي ** أتسألوني بمجد ليس في ثمري

ولله در الحريري السابق في هذا الميدان بقوله:

وما الفخر بالعظيم الرميم وإنما ** فخار الذي يبغي الفخار بنفسه

وخير من هذا كله قول الله عز وجل:" يا أيها الناس غنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وأرى من تمام الترجمة أن أقول لكم: " إن مذهبي في الوطن هو مذهب القائل:

من كان مثلي فالدنيا له وطن ** وكل قومغدا فيهم عشائره"1"

انتقالنا للحجاز:

انتقلت عائلتنا مهاجرة من بلدة سيدي عقبة إلى الحجاز بقضها وقضيضها أنثاها وذكرها، صغيرها وكبيرها، سنة 1313 هجرية قاصدة مكة المكرمة لحج الكعبة المشرفة في تلك السنة، فكنت في أفرادها الصغار لم ابلغ من التمييز الصحيح، ولولا رجوعي إلى هذه البلاد مؤخرا ما كنت لأعرف شيئا فيها.

استقرار عائلتنا بالمدينة:

سكنت عتائلتنا أول سنة 1314 ـ بعد الحج ـ المدينة المنورة حيث كان استقرارها بها وبها قبر أبوي وعمي وعم والدي وأختي، وجل من هاجر من أفراد عائلتنا كلهم دفنوا هنالك ببقيع الغرقد رحمة الله عليهم.

أما والدي فكانت وفاته ليلة الخامس من شهر شعبان 1320 هـ وانا عند رأسه أجس نبض آخر عرق كان يتحرك فوق صدغه، وكان قبل موته بنحو السنة والنصف مات شقيقه الوحيد ـ عمي ـ اثناء وجود والدي بهذه الديار التي رجع إليها إذ ذاك متفقدا حال أملاكهم التي تركوها هنا، وقد أتاح الله للأخوين الشقيقين ـ أبي وعمي ـ أن يدفنا في قبر واحد ويضمهما معا ذلك الجدث كما خرجا من بطن أم واحدة، وكان مأواهما في الثرى عند قبر الإمام مالك ـ رضي الله عنه ـ وبإزاء قبر سيدنا إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كفالتي وتربيتي:

وبعد وفاة والدي بقيت مع شقيقي وشقيقتي واختي للأب تحت كفالة والدتي وقد "أدبني ربي فأحس تاديبي"، وتربيت في حجر أمي يتيما غريبا لا يحوطني ولا يكفلني غير امرأة ليست بعالمة ولا صاحبة إدراك ورأي سديد، بل هي كنساء أهل هذه البلاد ولولا فضل الله علي وعنايته بي صغيرا يتيما لما كنت هديت سواء السبيل "فالحمد لله الذسي هدانا لهذا وما كنا لنهتي لولا أن هدانا الله"

تعلمي وقراءتي القرآن:

قرأت القرآن على أساتذة مصريين برواية (حفص) ثم شرعت على عهد والدتي بقراءة العلم بالحرم النبوي لا يشغلني عنه شاغل ولا يصدني عنه شيء، حيث كان أخي الأصغر مني سنا هو الذي تكلفه والدتي بقضاء ما يلزم من الضروريات المنزلية وقد ادركت سر الانقطاع لطلب العم وفهمت جيدا قول الإمام الشافعي:" لو كلفت بصلة، ما تعلمت مسألة".

بعد أن أصبحت أنا القائم بشؤوني والمتولي أمر عائلتي ونفسي، أخذت إذ ذاك من العلم بقسط شعرت معه بواجباتي الدينية والدنيوية، وما كدت أدرك معنى الحياة وأتناول الكتابة في الصحف السيارة وأنظم الشعر واتمكن من فهم فن الأدب ـ الذي هو سمير طبعي، وضمير جمعي ـ حتى فاجأتنا حوادث الدهر، ونوائب الحدثان، وجلها كان على إثر الحرب العالمية التي شتتت الشمل وفرقت الجمع، فسحقا لها سحقا، وبعدا لما أبقته من آثارها السيئة بعدا.

الهامش:

1":يقول الشيخ العقبي في الهامش:" وقريب من هذا المعنى في بيتين نظمتهما في سنة 1920 أذكرهما هنا وإن كان مذهبي اليوم غير مذهبي بالأمس، ألزم وطني مهما استطعت ذلك ووجدت إلى ذلك سبيلا، وهذان هما البيتان:

إذا ما صح أن الترب اصلي ** وأن الناس من هذا الراب

فكل مطارح طرحتني أرضي ** وكل القاطنين من الصحاب

يتبع ...

ـ[الطيب العقبي]ــــــــ[28 - 07 - 07, 04:06 م]ـ

كيف أبعدت عن المدينة؟:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير