تناولت الكتابة في الصحف الشرقية قبل الحرب العمومية أمدا غير طويل فعدني بعض رجال تركيا الفتاة من جملة السياسيين، وأخرجوني في جملة أنصار النهضة العربية مبعدا من المدينة المنورة على إثر قيام " الشريف حسين بن علي" في وجوههم بعد الحرب إلى المنفى في أرضهم " الروم ايلي" أولا فالأناضول ثانيا، وهناك بقيت أكثر من سنتين مبعدا في جملة الرفاق عن أرض الحجاز وكل بلاد العرب، ثم انتهت الحرب الكبرى بعد الهدنة يوم 11 نوفمبر 1918 ميلادية، ونحن إذ ذاك مع عائلتنا التي التحقت بنا بعد خراب المدينة في بلدة " ازمير" ومنها كان رجوعنا معشر أهالي المدينة المنورة إلى الحجاز، وما وصلت أنا إلى مكة المكرمة حتى لقينا من لدن جلالة " الملك حسين" كل ما هو أهله من الإكرام والإجلال، وهناك عينت مديرا لجريدة " القبلة" و" المطبعة الأميرية" يجري علي من سيل انعامه وإكرامه ما لا أستطيع مجازاته عنه بطويل الشكر وعريضه.
رجوعي إلى بلاد الجزائر:
ولما وقع من الاعتداء على أملاكنا التي لا تزال على ذمتنا ببلدة " سيدي عقبة" ولما كنت أتوقعه من عدم استتباب الأمن واستقرار الأمر في الحجاز للشريف حسين، غادرت تلك البلاد المقدسة إلى هذه البلاد الجزائرية بنية قضاء مآربي هنا وعمل ما يجب عمله في قضية أملاكنا مع المعتدي عليها، ثم الرجوع إلى الحجاز إذا رجعت المياه إلى مجاريها. وها أنا ذا الآن أسكن منذ ست سنوات بلدة بسكرة من يوم قدومي إلى هذه البلاد وهو يوم 4 مارس 1920 م ـ إلى هذا اليوم، من حيث قدومي إلى هذه الديار لم أشتغل بعمل عمومي ذي بال كما أني لم أتعاط الكتابة والنشر في الصحف لأني أعتبر نفسي منذ رجوعي من الحجاز وبعدما وقع من الحوادث المقلقة السالبة لكل أسباب الراحة (بل المفقدة للحياة) وبعدما مر على رأسي من الليالي المزعجات ـ قد خرجت من الحياة السياسية بالكلية وبعدت عن العلم وأسبابه بعد ما بين المشرق والمغرب.
ولكني منذ أشهر أبديت بواسطة صحافتنا الجديدة بعض آراء وأفكار في مسائل تخص العلم والدين فلم يرق ذلك لبعض الجامدين، وثارت ثائرة من لا يزالون يحبون الاصطياد في الماء العكر، وقام دعاتهم في وجهي يصدون الناس عن سبيل الله يبغونها عوجا، وإني لمواجه لكل صدماتهم، ومجابهتهم وجها لوجه كيفما كانوا ما دمت أعتقد أني على الحق بالرغم عن تجردي من كل عدة يعدها الخصمان.
وما أنا في محاربتهم ـ والحالة هذه ـ " إلا كساع إلى الهيجا بغير سلاح" وما أجادلهم إلا بالتي هي أحسن ما دموا عن الحق غيرمعرضين.
أما المنافقون منهم والمارقون الذين يرتدون عن دينهم في كل يوم مرة او مرتين فأولئك هم الذين أغلظ عليهم أحيانا وأعاملهم بما يستحقون.
وما سلاحي الذي أبارزهم به إلا صبابة مما كان علق بالذهن وبقية في الوطاب من آثار التربية الإسلامية والعلم الصحيح، وهم في كل محاولاتهم " يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون" و" سيحكم الله بيني وبينهم وهو خير الحاكمين".
هذه خلاصة إجمالية في ترجمة حياتي لعلها تفي بالمراد أيها الصديق ... أما تفصيل نشاتي وتعداد أصدقائي وذكر ما وقع لي وما شاهدته في سفري وإقامتي وكل تنقلاتي إلخ فهو مما يطول شرحه، ولعلي أخصه بسفر متى استجمعت حواسي ورجعت إلى المستقر الأخير.
انتهت
ـ[السلامي]ــــــــ[28 - 07 - 07, 07:29 م]ـ
بارك الله فيك هل تكم عنه المؤرخ البارع أبو القاسم سعد الله في تاريخ الجزائر الثقافي أم لا ...
ـ[الطيب العقبي]ــــــــ[28 - 07 - 07, 09:50 م]ـ
بارك الله فيك هل تكم عنه المؤرخ البارع أبو القاسم سعد الله في تاريخ الجزائر الثقافي أم لا ...
نعم هناك إشارات كثيرة من المؤرخ أستاذنا أبو القاسم سعد الله حفظه الله للشيخ الطيب العقبي في كتابه تاريخ الجزائر الثقافي وغيره كأفكار جامحة وآراء في تاريخ الجزائر وتاريخ الحركة الوطنية وربما تود أن أنقل لك هذه الإشارات، فأقول لك إن شاء الله سافعل فلا تتضجر ولا تجزع ولا تتعجل.
تحياتي
الطيب العقبي
ـ[الطيب العقبي]ــــــــ[29 - 07 - 07, 01:40 م]ـ
نماذج من شعر "الطيب العقبي" في الفترة الحجازية
¥