تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ألم يقصّ علينا الله سبحانه و تعالى، ما فعله إخوة يوسف بأخيهم؟ فهل هذا الخبر جعلهم غرضا للسب و الشتم؟ إنّ الرجل إذا كان ممن جاوز قنطرةَ الفضل، و شهد له تاريخه بالصدق و النبل، فإن الحديث عن بعض ما صدر عنه مما يعده هو صوابا، ويراه غيره خطأ لا ينقص من قدره و لا يحط من منزلته.

1 - مدخل إلى الحادثة:

يُعدّ الشيخ العقبي من روّاد الحركة الاصلاحية في الجزائر، بل هو عمودها الأساسي في عاصمة الجزائر، فمنذ مجيئه إلى العاصمة و استقراره فيها سنة 1930،و هو يتولّى منصب المحاضر الدائم بنادي الترقي الموجود بقلب العاصمة بساحة الشهداء، فكان يتصدى في خطاباته لكل أصناف أعداء الدين و الوطن، كما كان ينشر مقالات تحت لواء الإصلاح، أحدثت ثورة فكرية و عقدية بين أوساط الناس، فكان عمله هذا لا يروق أطرافا كثيرة في الجزائر، ولمّا رأى أعداء الحركة الإصلاحية تزايد أعداد أنصاره، الذين كان أغلبهم من عمّال الميناء الذين يرتدون لباس "الجونغاي؟ " الأزرق اللون، كانت الإدارة الفرنسية تلقبهم بالزّرُق، كما كان أعداؤه من الطرقية يلقّبون أتباعه بالعقبيين، رغم أن عمله في الإصلاح جاء متأخرا عن عمل الشيخ ابن باديس، لكنّ قوة تاثيره و صلابته في الدّعوة جعلت الناس تأوي إليه، و تركن إلى الانتساب إليه.

و كانت الإدارة الفرنسية تُصدر القرارات المجحفة لتعطيل الحركة الاصلاحية في الجزائر، و كانت تلك القرارات غالبا ما تقصد الشيخ العقبي في شخصه و نشاطه،فلم تأثر فيه تلك العراقيل، بل زادته ثباتاً و صلابة.كما كانت تتّبع أنفاس الشيخ، وتحسب له الحسابات، وتتصيد له الأخطاء الإدارية وتترصد له الهفوات القانونية، وكان الشيخ من جانبه يتجنب صدور ما يخالف النظام العام حتى لا يقع فريسة سهلة في حبائل الإدارة. و لمّا اشتدّ عمل الاصلاحيين على الإدارة الفرنسية، خاصة بعد تدخلهم العلني في شؤون السياسة سنة1936،و مشاركتهم في المؤتمر الإسلامي الذي دعت إليه الجمعية، نفذ صبر الإدارة الفرنسية و أوحت لها لغة المصالح والمطامح إيجاد مخرج يتم من خلاله غلق ملف طالما أهدرت قواها لإنهائه و إغلاقه ..

فبعد التفكير و التقدير، رأت أن تضحي بمفتي الجزائر العاصمة،الشيخ كحول بن دالي،فجعلته قربانا في سبيل مصالحها، رغم أنه من الموظفين المخلصين لإدارتها ومن ألد خصوم الشيخ العقبي، ومن أشد أعداء جمعية العلماء،غير أن هذا لم يشفع له أمام مصالح الإدارة التي تنظر للجزائريين كلهم بعين الازدراء و الاحتقار، و إن قدموا لها جميع أصناف الولاء و عادَوْا من أجلها الأهل و الأقرباء.

فاغتنمت الإدارة الفرنسية وجود هذا الإختلاف بين المفتي من جهة،و بين الجمعية و الشيخ العقبي من جهة أخرى، فأوحت إلى شاب منحرف بقتل مفتي الجزائر آنذاك، و إلصاق التهمة بالشيخ العقبي و ممول الجمعية الفاضل عباس التركي،و كان تنفيذ هذه الجريمة في اليوم الذي عقد فيه المؤتمر الإسلامي تجمعا كبيرا بملعب 20 أوت في العناصر حاليا.

فاستطاعت فرنسا بهذه الجريمة أن تحقق أهدافا طالما تمنت تحقيق بعضها بعد تعب و نصب،فقضت على المؤتمر الإسلامي بتفريق تشكيلاته، و ضيقت الخناق على نشاطات الجمعية، و هذا بإلقاء القبض على الشيخ العقبي الذي يعد من أعمدة الإصلاح في هذا الوطن، كما ألقت القبض على أهم ممول لنشاطات الإصلاحيين، و كذلك من نتائج هذا المكر أنها أحدثت خرما عميقا بين الإصلاحيين، و بين الطرقيين الذين كانوا يعدون المفتي كحول أحد أعمدتهم في محاربة جمعية العلماء،و هذا ما يفسر عمق الأثر الذي أصيبت به الحركة الإصلاحية في الجزائر بعد هذه الحادثة.

طبعا هذه مقدمة كان يجب علي إدراجها في بداية مقالنا ليسهل علينا بعد ذلك فهم ما يتبعها من أحداث،و هي بيت القصيد من حديثنا، و محلّ الشاهد فيه.

2 - عرض الحادثة:

بعد حادثة الإغتيال و اتهام الشيخ العقبي بها أو بالتحريض عليها، ضيقت الإدارة الفرنسية على نشاط الشيخ، فكانت بعد إطلاق سراحه من السجن-و هذا بعد اعتراف الجاني بأن الشيخ ليس له أي دخل من قريب و لا من بعيد بهذه القضية-و رغم ذلك كانت الإدارة الفرنسية في كل مرة تستدعي الشيخ إلى مجلس القضاء للتحقيق معه،و لمساومته في التخلي عن الإصلاحيين مقابل التنازل عن اتهامه، فأبقاه تحت الحراسة القضائية في حرية مؤقتة ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير