تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتشير كثير من الأدلة الى أن هذه القوة -التي لم تكن ظاهرة- هي الحركة الماسونية التي انبعثت في مصر سنة 1798م علي يد رجال الحملة الفرنسية حيث مهد لها نابليون، ثم أسس خلفه كليبر ومعه مجموعة من ضباط الجيش الفرنسيين الماسونيين محفلاً في القاهرة سمي محفل إيزيس، وأوجدوا له طريقة خاصة به هي الطريقة الممفيسية أو الطريقة الشرقية القديمة. وقد تمكن هذا المحفل من أن يضم إليه بعض الأعضاء من المصريين وإن كانوا قلة، ثم أنحل هذا المحفل رسمياً في أعقاب اغتيال كليبر سنة 1800م، وظل أعضاؤه يعملون في الخفاء وبسرية.

ويشير المنشور الأول الذي وزعه نابليون على المصريين الى أنه قد سعى لنشر هذه الأفكار منذ بداية وصول الحملة فيذكر فيه (قولوا لهم - أي المصريين- أن جميع الناس متساوون عند الله وأن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط).

ويبدو تزعم الحملة الفرنسية للفكر الماسوني واضحاً منذ بدايتهم ولقد حاولوا فرض العادات الخبيثة التي استهجنها المسلمون في مصر كالبغاء والسفور وتشجيع النساء من الحرافيش ونساء الهوى على ارتكاب المحرمات بشكل علني واضح، حيث يعد هذا الأمر من بين أساليب انتشار الماسونية.

وتوحي بعض الدلائل على أنهم - أي الفرنسيين - قد نجحوا في ضم بعض المصريين من المشايخ والعلماء من بينهم الشيخ حسن العطار الى المحفل الماسوني الذي أسسه كليبر سنة 1800م، فبعد أن هرب الشيخ حسن العطار الى الصعيد في أعقاب قدوم الحملة كغيره من العلماء ثم عاد الى القاهرة على أثر دعوة الفرنسيين للعلماء اتصل على الفور برجال الحملة ونقل عنهم علومهم، وفي نفس الوقت تولى تعليمهم اللغة العربية وقد اندمج الى حد كبير في علومهم، وكثيراً ما تغزل في أشعاره بأصدقائه منهم. ولقد دعت هذه الأمور أن يوصف العطار بأنه من دعاة التجديد. وقد توثقت صلة الشيخ العطار بمحمد علي بعد توليه الولاية وأصبح من الركائز التي يعتمد عليها محمد علي في خطواته التجديدية في مصر وهو أمر يشير الى وجود صلة بين محمد علي والمحفل الماسوني المصري الذي تأسس إبان الحملة الفرنسية.

كما أن هناك شخصية في عهد الاحتلال الفرنسي لمصر، تتمثل أمامها أكثر من علامة استفهام، ألا و هو محمد المهتدي، ففي شخصيته كثير من المتناقضات.

فهذا الرجل الذي قدم من أوروبا شاباً، و أظهر الاسلام، و درس في الأزهر و نبغ، حتى صار من شيوخه، نجدْه عند قدوم نابليون يكون هو الذي يتولَّى كتابة مناشير القمع و الاحتلال لنابليون بدعوى الإكراه طبعاً.

و لكن العجيب أن نابليون كان يوليه ثقته الكبيرة دون بقية شيوخ الأزهر، و كان يستشيره في كثيرٍ من الأمور.

إذن فالماسونية كان لها دور خطير في تمهيد الطريق لمحمد علي لتولي الحكم في مصر، و لذلك فقد قد سمح محمد علي للمحافل الماسونية بالنشاط والتوسع داخل مصر وانتشرت في الشام أيضًا، فلقد أنشأ الماسونيون الإيطاليون محفلاً بالإسكندرية سنة 1830هـ على الطريقة الإسكتلندية.

و الناظر لسياسة محمد علي الخارجية والداخلية يجد أنها تدور في فلك خدمة الماسونية العالمية فلقد كان محمد علي ثعلبًا ماكرًا همه نفسه وأولاده من بعده، ولذلك قام بأعمال شنيعة وأفعال قبيحة في إضعاف الأمة والقضاء على شوكتها وتنفيذ مخططات فرنسا وبريطانيا، وحرص على أن يجمل صورته في أعين الغرب بل ويفكر كما قال عن نفسه: (يفكِّر بعقل إفرنجي، بينما هو يلبس القبعة العثمانية").

كما أن تطور الأحداث يشير الى تشبع محمد علي بالأفكار الماسونية التي كان مهيأ لها بحكم تكوينه الطبيعي فينقل عنه قوله وهو يفاوض الفرنسيين على مسألة احتلال الجزائر: (ثقوا أن قراري ... لا ينبع من عاطفة دينية فأنتم تعرفونني وتعلمون أنني متحرر من هذه الاعتبارات التي يتقيد بها قومي ... قد تقولون أن مواطني حمير وثيران وهذه حقيقة أعلمها).

يقول الاستاذ محمد قطب ـ عن محمد علي ـ: (واحتضنته ـ أي الماسونية ـ احتضاناً كاملاً لينفذ لها كل مخطاطتها:؛ فأنشأت له جيشاً مدرباً على أحدث الأساليب ومجهزاً بأحدث الأسلحة المتاحة يومئذ بإشراف سليمان باش الفرنساوي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير