لقد كان الجبرتي معاصراً لسياسة الظلم التي مارسها محمد علي على الشعب المسلم في مصر الذي امتص حقوقه وخيراته وفتح للتجار الأوروبيين الباب على مصراعيه لدخول مصر والهيمنة على اقتصادها، وأصبحت مصر هي المزرعة التي تعتمد عليها أسواق أروربا من المنتجات الزراعية وارتبطت مصر بأوروبا ارتباطاً حضارياً وتجارياً، وأصبح اعتماد طبقة التجار الناشئة في مصر على الاسواق الأوروبية من الناحية الاقتصادية وبالتالي السياسية، الى جانب تمكين دعاة الثقافة الأوروبية من السيطرة على الحياة الفكرية بعد أن شل دعاة الاتجاه الاسلامي، وأوقف مناهج التعليم القائمة على الدين تنفيذاً لسياسية نابليون الماسونية، وهو أمر أكده المؤرخ الانجليزي أرنولد تويني في قوله:
(كان محمد علي ديكتاتوراً أمكنه تحويل الآراء النابليونية الى حقائق فعالة في مصر).
لقد حقق الاستعمار الأوروبي هدفه في الاستفادة من المنشآت والاصلاحات المادية التي قام بها دميتهم محمد علي، أما شعب مصر المسلم فقد سيطر عليه اليأس ودفع ثمناً باهظاً يفوق حجم كل اصلاح وهو تحطيم هويته الحضارية التي صقلها الاسلام والتي ميزت دروه خلال العصور الاسلامية.
وفتح باب الدعوة الى الوطنية والقومية ومارس سياسة التضيق على دعاة الفكر الاسلامي من العلماء والمشايخ فكان هذا الاتجاه مسايراً لمساعيه الرامية الى الاستقلال بمصر وبالتالي إبعادهاعن الارتباط بدولة الخلافة الاسلامية، وقد لقي في اتجاهه هذا عوناً من المحافل الماسونية التي يعتبر هذا الاتجاه من صلب أهدافها.
ومن أبرز الذين عاونوه في هذا الاتجاه الشيخ حسن العطار سنة 776هـ/1835م الذي تشير الدلائل على انضمامه للمحفل الماسوني المصري، فقد كان العطار يري أن البلاد (لابد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ماليس فيه)، وكانت وجهته في هذا التغيير هو الاتجاه الكامل الى الثقافة الأوروبية بعد ان عجز - في رأيه- المشايخ والعلماء عن مواصلة جهود المسلمين الأوائل.
وتبع العطار في هذا الاتجاه تلميذه رفاعة الطهطاوي (1801 - 1873م) حيث ابتعثه محمد علي الى فرنسا خمس سنوات (1826 - 1831م) عاد بعدها لنشر ما يذكي الفكرة الوطنية وغيرها من الافكار الاجتماعية التي عايشتها فرنسا والتي لم تكن تتلاءم مع أوضاع المجتمع المرتبط بالفكر الاسلامي، وقد بدت هذه الافكار في العديد من القصائد التي نظمها وكذلك الكتب التي ترجمها بعد توليه الاشراف على مدرسة الألسن، لقد تاثر الطهطاوي بتيارات الفكر الأوروبي من أقصى اليمين الى أقصى اليسار بشكل فاق تأثره بالفكر الاسلامي، حيث أبدى في عديد من كتاباته، وفي كافة مراحل حياته، إعجابه بأفكار الحرية والمساواة وضرورة الاعتماد على العقل.
لقد تبني الطهطاوي ما دعا إليه نابليون إبان حملته الشهيرة، كما أظهر تأثراً وإعجاباً بآراء مونتسكيو، وتشبعه بالفكر الماسوني.
وتبع الطهطاوي في ذلك كثيرون ممن واصلوا الدعوة إلى الوطنية والى ضرورة الاتجاه الكامل إلى الحضارة الغربية من أمثال (علي مبارك) و (إبراهيم أدهم) و (صالح مجدي) و (محمد عثمان جلال) و (عبد الله أبو السعود) و (عبد الله فكري) و (طه حسين) وغيرهم، وواصل الجميع هجومهم على التيار الإسلامي من كافة الجوانب.
دور محمد علي في ضرب الإسلام:
لقد قام محمد علي نيابة عن الدولة الصليبية المهووسة بعداء الإسلام في ذلك الوقت مثل فرنسا وروسيا وبريطانيا بتوجيه ضربات موجعة للاتجاه الإسلامي في كل من مصر والجزيرة العربية والشام والخلافة العثمانية مما كان له الأثر في تهيئة العالم الإسلامي للأطماع الغربية، وهذا الدور الخبيث تمثَّل في عدة نقاط قام بها محمد علي:
1 ـ ضربه لجبهة العلماء داخل مصر واتخاذ أقذر الوسائل من قتل ونفي وتشريد وقطع أرزاق وتلفيق تهم وتشويه رغم أن العلماء هم الذين جاءوا به للسلطة.
2 ـ حربه ومقاتلته لحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية بناءً على طلبات الدول الصليبية التي ضاقت من مد إسلامي وبعث جديد للإسلام الصحيح النقي.
¥