فيحتمل ان يكون الحديث جرى مجرى التمثيل والمبالغة في تعظيم شأن هذا الماء المبارك، ويكون المعنى:ـ ان ماء زمزم لما فيه من الفضل العظيم، والخير الكبير، والكرامة العظمى، وما فيه من اليمن والبركة،يشارك مياه الجنة، فكأنه نزل منها، ولهذا تجد ان ماء زمزم ليس له مثيل في الدنيا في مزاياه وخصائصه، ويشترك ببعض الصفات مياه الجنة، ففيه كل غذاء، وفيه الشفاء، ولا يفنى ولا ينقطع، والى غير ذلك من الخصائص.
ويحتمل معنى آخر، وهو ان بعد خراب هذا العالم ينقل الى الجنة، فيكون فيها، تشريفاً له.
ويحتمل ان ماء زمزم يفضَّل على سائر المياه، كفضل الجنة على الارض، وبهذا الاحتمال الاخير يمكن ادراك نسبة الخيرية الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم: خير ماء على وجه الارض ماء زمزم.
2.ظهور ماء زمزم بواسطة سيدنا جبريل عليه السلام:ـ
وذلك بامر الله تعالى، ولو شاء الله تعالى لامر الماء ان ينبع ويخرج بنفسه.
ولكن لما اراد الله تعالى اظهار شرف هذا الماء، وعظيم قدر من خرج له، امر سيد الملائكة جبريل عليه السلام، فضرب الارض بجناحه فخرج هذا الماء المبارك، في مقر مبارك، لسيد مبارك بواسطة فعل امين مبارك، فكان بذلك زيادة له في التشريف والتعظيم، والله عز وجل يفضل ما شاء من مخلوقاته.
3. ماء زمزم ماء غسل به قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ اكثر من مرة ـ لقد خص الله تعالى ماء زمزم دون غيره من المياه، ليغسل به قلبه الشريف صلى الله عليه وسلم.
روى الامام مسلم في صحيحه: عن انس بن مالك رضي الله عنه، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتاه جبريل عليه السلام، وهو يلعب مع الغلمان، فاخذه فصرعه فشق قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منع علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم اعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون الى امه يعني ضئره ـ مرضعته ـ فقالوا: ان محمداً قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال انس: وقد كنت ارى أثر ذلك المخيط في صدره.
وروى الامام البخاري في صحيحه عن انس بن مالك رضي الله عنه قال: كان ابو ذر رضي الله عنه يحدث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فرج سقف بيتي، وانا بمكة، فنزل جبريل عليه السلام، ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وايمانا، فافرغها في صدري، ثم اطبقه، ثم اخذ بيدي، فعرج بي الى السماء الدنيا ... الحديث.
هذا وقد شقَّ صدره الشريف صلى الله عليه وسلم اربع مرات وفي كل مرة كان يغسل بماء زمزم مرة وهو ابن اربع سنين، ومرة وهو ابن عشر سنين، ومرة عند مجيء سيدنا جبريل عليه السلام.
ولهذا تشريفاً لماء زمزم لما فيه من حكم عظيمة، فقد استخرج من قبله حظ الشيطان وفي ذلك زيادة في اكرامه صلى الله عليه وسلم و إعظامه.
4. زمزم ماء بارك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بريقه الطاهر الشريف:ـ
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم الى زمزم فنزعنا له دلواً، فشرب، ثم مجَّ فيها، ثم افرغناها في زمزم، ثم قال: لولا ان تغلبوا عليها لنزعت بيدي.
وفيه رواية اخرى: عن عبد الجبار بن وائل عن ابيه ان النبي صلى الله عليه وسلم، اتي بدلو من ماء زمزم، فتمضمض، فمجَّ فيه اطيب من المسك او قال: مسك.
فازداد ماء زمزم بركة على بركة، ولذة على لذة، وشفاء على شفاء، ونوراً على نور، وطهراً على طهر بمجه صلى الله عليه وسلم في دلو قد اهريق في زمزم، فما ارحمه على امته،وارأفه بها، حيث لم يرض بحرمان من ياتي بعده صلى الله عليه وسلم، من امته الى يوم القيامة من فضل ذلك السؤر الطاهر الشريف، وبركة طهوره، فديناه بآبائنا وامهاتنا، صلاة الله وسلامه عليه ابد الابدين، وعلى آله واصحابه واحبابه اجمعين.
5. ماء زمزم طعام طعم: من فضائل ماء زمزم انه يقوم مقام الغذاء في تقوية الجسم، ويمكن لشاربه الاستغناء به عن الطعام، كما حدث مع هاجر حينما تركها سيدنا ابراهيم عليه السلام ووضع عندها جراباً ـ وعاء من جلد ـ وفيه تمر، وسقاء فيه ماء .... حيث جعلت ام اسماعيل ترضع اسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى اذا نفد ما في السقاء، عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر اليه يتلوى .... فاذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه او قال: بجناحيه حتى ظهر الماء .... قال: فجعلت تشرب من الماء حتى در لبنها على صبيها، وهكذا جعل الله تعالى ماء زمزم غذاء لام اسماعيل وابنها عليهما السلام.
وتروي ام ايمن رضي الله عنه حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومولاته، فتقول: مارأيت النبي صلى الله عليه وسلم، شكا صغيراً ولا كبيراً جوعا ولا عطشاً، وكان يغدو فيشرب من زمزم، فاعرض عليه الغذاء، فيقول: لا اريده انا شبعان.
وصلى الله على سيدنا محمد و اله وصحبه وسلم
¥