تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ أولاً: لا توجد أية إشارة إلى هذا الاتفاق في المصادر الإسلامية التي تحدثت بإسهاب عن فتح الأندلس، ولاشك أن هذا الحدث الكبير المرتبط بالفتح ارتباطاً وثيقاً لا يمكن أن تجمع المصادر الإسلامية على إهماله، لو أنه وقع فعلاً.

ـ ثانياً: لو صح وقوع هذا الحدث، لتفاخر به يهود الأندلس، ولنشروه بشكل واسع يوصله إلى كتب المؤرخين الأندلسيين، لأنه يجعل لهم دوراً مهماً في الفتح، ويظهرهم بمظهر الأبطال الذين نجحوا في الانتقام من ظالميهم القوط. لكن مؤرخي اليهود أ نفسهم يرفضون هذا الاتهام، ويعدونه مختلقاً. (9)

ـ ثالثاً: اختلاف المؤرخين الإسبان في تعيين الجهة التي تم معها الاتفاق يدل على أنه محض اتهام، لا يقوم على دليل واضح أو معلومات موثقة. وقد كان هذا الاتهام ضعيفاً منذ أن أعلن عنه إجيكا لأول مرة، إذ لم يقدم الأدلة عليه. وقد يكون مصدره وشاية مغرضة من أعداء اليهود الكثيرين في ذلك الوقت. وقد يكون هدف إجيكا من توجيهه لليهود هو الرغبة في استعادة ثقة رجال الدين به، التي اهتزت بسبب سياسة تخفيف الضغوط عن اليهود، التي انتهجها في بداية حكمه، وكذلك للظهور بمظهر الوطني الحريص على مصلحة البلاد (10).

ـ رابعاً: لم يكن المسلمون زمن انعقاد مجلس طليطلة الكنسي سنة (75 هـ = 694م) الذي أُعلن فيه عن هذا الاتهام قد أتموا فتح بلاد المغرب، حتى يفكروا بفتح الأندلس، ويحضِّروا له بعقد الاتفاقيات المسبقة مع اليهود هناك كي يحصلوا على مساعدتهم، بل كان المسلمون منشغلين حينئذٍ بحرب كسيلة بن لمزم البرنسي الذي خرج عليهم وتحالف مع الروم، ووقف في وجه جهادهم وفتحهم للبلاد. وقد ولًَّى عبد الملك بن مروان سنة (65 هـ = 684م) على إفريقية والمغرب زهير بن قيس البلوي، وكلفه بالقضاء على كسيلة، فتمكن من ذلك، لكن الروم هاجموا جيشه في برقة، فاستشهد زهير وعدد من أصحابه (11). ولم تخضع بلاد المغرب للمسلمين إلا بعد جهود جهيدة وطويلة بذلها المسلمون تحت قيادة حسان بن النعمان الذي ولي أفريقية والمغرب سنة (78 هـ =697م) (12)، وموسى بن نصير الذي تولاها سنة (86 هـ = 705م) (13).

ـ خامساً: لا يدل التعاون الذي أظهره اليهود مع المسلمين الفاتحين على اتفاق مسبق بينهم، لأن يهود الأندلس كانوا على استعداد للتعاون مع كل من يمكن أن يرفع الظلم عنهم، كما أنهم في حالة ضعف واستعباد (14)، لا تُطمع المسلمين في التعويل عليهم وعقد الاتفاقيات المسبقة معهم، ثم إنه ليس اليهود وحدهم هم الذين تعاونوا مع المسلمين، فقد تعاون معهم أبناء الملك غيطشة وأنصارهم، رغبة في الانتقام من لذريق الذي اغتصب حقهم في العرش (15)، وكذلك فعل العديد من الإسبان المظلومين (16)، عندما شاهدوا بأنفسهم سماحة الفاتحين وسمو أخلاقهم وعظمة دينهم. يقول صاحب كتاب أخبار مجموعة في فتح الأندلس متحدثاً عن الخدمات التي قدمها بعض الإسبان لموسى بن نصير: "فلما نزل الجزيرة، قيل له: اسلك طريقه، قال: ماكنت لأسلك طريقه. قال له العلوج الأدلاء: نحن ندلك على طريق هو أشرف من طريقه، ومدائن هي أعظم خطباً من مدائنه، لم تُفتح بعد، يفتحها الله عليك إن شاء الله" (17). وعن ذلك يقول أيضاً: "ثم سار إلى مدينة قرمونة فقدَّم إليها العلوج الذين معه، وهي مدينة ليس بالأندلس أحصن منها، ولا أبعد من أن ترجى بقتال أو حصار، وقد قيل له حين دنا منها: ليست تُؤخذ إلا باللطف، فقدَّم إليها علوجاً ممن قد أمنه واستأمن إليه، مثل "يليان"، ولعلهم أصحاب "يليان"، فأتوهم على حال الأفلال، معهم السلاح، فأدخلوهم مدينتهم، فلما دخلوها بعث إليهم الخيل ليلاً، وفتحوا لهم باب قرطبة، فوثبوا على حراسه، ودخل المسلمون قرمونة" (18)

ـ سادساً: لم تكن المعاملة الحسنة التي عومل بها اليهود في أثناء الفتح وبعده، مكافأة لهم على ما قدموه للمسلمين كما يتصور البعض (19)، كما أنها ليست دليلاً على وجود اتفاق مسبق بينهما يقضي بحسن معاملتهم مقابل الخدمات التي يؤدونها للمسلمين. لأن المسلمين قدموا المعاملة نفسها للنصارى وأحسنوا إليهم، وهذا الإحسان هو الذي جذبهم إلى الإسلام، وجعلهم يدخلون في دين الله أفواجاً (20)، وقد انطلق المسلمون في إحسانهم لليهود والنصارى من مبادئ دينهم الذي يوصي خيراً بأهل الذمة (21).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير