تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعاد الأمير لإصلاح حال بلاده وترميم ما أحدثته المعارك بالحصون والقلاع وتنظيم شؤون البلاد، وفي نفس الوقت كان القائد الفرنسي "بيجو" يستعد بجيوش جديدة، ويكرر الفرنسيون نقض المعاهدة في عام 1839م، وبدأ القائد الفرنسي يلجأ إلى الوحشية في هجومه على المدنيين العزل فقتل النساء والأطفال والشيوخ، وحرق القرى والمدن التي تساند الأمير، واستطاع القائد الفرنسي أن يحقق عدة انتصارات على الأمير عبد القادر، ويضطر الأمير إلى اللجوء إلى بلاد المغرب الأقصى، ويهدد الفرنسيون السلطان المغربي، ولم يستجب السلطان لتهديدهم في أول الأمر، وساند الأمير في حركته من أجل استرداد وطنه، ولكن الفرنسيين كانوا يضربون طنجة وموغادور بالقنابل من البحر، وتحت وطأة الهجوم الفرنسي اضطر السلطان إلى توقيع معاهدة الحماية، التي سبقت إحتلال المغرب الأقصى.

نهاية الحركة القادرية:

بدأ الأمير سياسة جديد في حركته، إذ سارع لتجميع مؤيديه من القبائل، و كان ديدنه الحركة السريعة بين القبائل فقد يصبح في مكان ويمسي في مكان آخر حتى لقب باسم "أبا ليلة وأبا نهار".

واستطاع أن يحقق بعض الانتصارات، ولكن فرنسا دعمت قواتها بسرعة، فلجأ مرة ثانية إلى بلاد المغرب، ومن ناحية أخرى ورد في بعض الكتابات أن بعض القبائل المغربية راودت الأمير عبد القادر أن تسانده لإزالة السلطان القائم ومبايعته سلطانًا بالمغرب، وعلى الرغم من انتصار الأمير عبد القادر على جيش الإستطلاع الفرنسي، إلا أن المشكلة الرئيسية أمام الأمير هي الحصول على سلاح لجيشه، ومن ثم أرسل لكل من بريطانيا وأمريكا يطلب المساندة والمدد بالسلاح في مقابل إعطائهم مساحة من سواحل الجزائر: كقواعد عسكرية أو لاستثمارها، وبمثل ذلك تقدم للعرش الإسباني ولكنه لم يتلقَ أي إجابة، وأمام هذا الوضع اضطر في النهاية إلى التفاوض مع القائد الفرنسي "الجنرال لامور يسيار" على الاستسلام على أن يسمح له بالهجرة إلى الإسكندرية أو عكا ومن أراد من اتباعه، وتلقى وعدًا زائفًا بذلك فاستسلم في 23 ديسمبر 1847م، ورحل على ظهر إحدى البوارج الفرنسية، وإذا بالأمير يجد نفسه بعد ثلاثة أيام في ميناء طولون ثم إلى إحدى السجون الحربية الفرنسية، وهكذا انتهت دولة الأمير عبد القادر، وقد خاض الأمير خلال هذه الفترة من حياته حوالي 40 معركة مع الفرنسيين والقبائل المتمردة.

الأمير في الأسر:

ظل الأمير عبد القادر في سجون فرنسا يعاني من الإهانة والتضييق خمس سنوات، متنقلاً بين سجون مختلفة بما فيها قصر أمبواز، و قد توفي خمسة و عشرين من أقاربه الذين كانوا معه خلال ذلك الوقت جراء البرد و الجوع.وبعد أسابيع من تولي نابليون الثالث بعث إليه الأمير برسالة في 23 ديسمبر 1848 مذكرا له بوعد فرنسا، وسجن الإنجليز لنابليون الأول، وسجنه هو نفسه (نابليون الثالث) بأمر لوي فيليب، و طالبا الاستجابة لرغبته في الذهاب إلى مصر أو سورية.

وفي عام 1852م استدعاه نابليون الثالث بعد توليه الحكم، وأكرم نزله، وأقام له المآدب الفاخرة ليقابل وزراء ووجهاء فرنسا، ويتناول الأمير كافة الشؤون السياسية والعسكرية والعلمية، مما أثار إعجاب الجميع بذكائه وخبرته، ودُعي الأمير لكي يتخذ من فرنسا وطنًا ثانيًا له، ولكنه رفض، ثم اقترح نابليون الثالث على الأمير أن يترأس الإمبراطورية العربية في الشرق بعد أن يتم تحريرها من الاحتلال العثماني.

ورحل الأمير عبدالقادر إلى الشرق براتب من الحكومة الفرنسية، وبوعدٍ غير واضحٍ من الامبراطور الفرنسي بتنصيبه امبراطورا على البلاد العربية.

و توقف في استانبول حيث السلطان عبد المجيد، والتقى فيها بسفراء الدول الأجنبية، ثم استقر به المقام في دمشق منذ عام 1856 م وفيها أخذ مكانة بين الوجهاء والعلماء، وقام بالتدريس في المدرسة الأشرفية، ثم في المدرسة الحقيقية، وأخيراً في المسجد الأموي.

التحول الكبير في حياة الأمير:

لم تُحيِّرني شخصية مثل شخصية الأمير عبدالقادر الجزائري، فهذا الأسد الهزبر و الفارس الضرغام نجده يتحول بعد مجيئه من فرنسا إلى خادم مطيع و مريد متحمس للدولة الفرنسية و إلى كل ما يمت إلى الفرنسين بِصِلة، فما الذي حصل للأمير فأدَّى به إلى كل ذلك التغيير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير