تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرسالة الثانية.

أراني، و أنا ما زلت في موضوع اختيار الأمير الرد على رسالة المحفل الأول، مضطرا لوضع فرضية. الواقع أن عبد القادر قد فضَّل مقولة الأم ـ الإخوة، على مقولة الأب ـ الأخوة، ليس لأنه مسلم، و بالتالي فهي رؤية مثالية، و لكن بالأحرى لأنها واقعه المغربي المعاش، و ليس لديه في الواقع لا شعور مبن بطريقة أوديبية؛ خاصة و أن أباه قد لعب دورا رئيساً في توجيهه: فمحيي الدين حتى في اسمه، و كذلك عبر الطريقة القادرية هو في أساس ميل عبد القادر نحو ابن عربي. فالأب الموجّه و المعلم يحملان كلاهما الاسم ذاته و هو يعني " منعش و مجدد الدين" و الواقع أن الأمير لا يمكن أن يؤمن بالصدفة، لأنه سلك في آمبواز طريق إبراهيم القرآني، و كالصديق الحميم، قد أوضح الانكشاف، فهو لا يأخذ بالرؤيا و لا بالحلم، بحرفيتهما.

و من جهة أخرى فإن أمه، التي يذكرها دائما في رسائله، بكلمة الوالدة، وفق المتداول في المنطقة الوهرانية، قد توفيت مؤخرا، و بذلك تحرّر من أجل مسيرته الأخيرة، و هكذا ما فتئ بين عامي 1861 و 1865 يسافر بما فيها حجّه إلى الأماكن المقدسة. و قد كانت العقبة الأخيرة أمام تحقيق الأقل من مساراته. و كان يقول فيما بعد لمن يلومه على ترك عائلته: "صحيح أن عائلتي عزيزة عليّ، لكن الله أعزّ "

( .... )

لكن الماسونيين لا يعرفون كل هذا، و لدينا البرهان في رسالة نشرها ياكونو YACONO في مؤلفه عن الماسونية الجزائرية [المؤلف: "قرن من الماسونية 1785 - 1884" غير أن ياكومو قد كتب مقالا عن الأمير الماسوني في مجلة " شرق كبير فرنسة G.O.D.F" ( الانسانية humanisme) رقم 57، أيار ـ مايو 1966: 5 - 37 اعتبارا من وثائق متوفرة في تلك الفترة ضمن ملفات G.O.D.F.]

فبعد أن ترأس مادول Madaule إقامة محفل " سيدي بلعباس"، و جب عليه السفر في المنطقة، و في تشرين الثاني ـ نوفمبر 1867 كتب إلى "المشرق الكبير" رسالة فيها بعض الغرابة فقد قال:

((عدت من جولة قمت بها في القبائل التي تفصلنا عن مراكش، و التي تمارس شعائر إسلامية، سبق لعبد القادر ممارستها و التي يمكن تسميتها الشعائر الحرة لموريتانيا. إن توجيه البريد إلى فرنسة خلال بضع دقائق يضطرني إلى تأجيل ذكر التفاصيل المثيرة للفضول، و الواجب تبليغكم إياها حول هذا الاكتشاف الهام. إنني آمل أن أتمكن من توجيه هذه الطاعة الرهبانية الجديدة للخضوع لقوانينكم.

و يضيف " يا كونو": ((هذه " الطاعة الرهبانية" الجديدة قد لا تكون إى أخوية القادرية المشهورة التي اعتمد عليها عبد القادر. و هكذا بعد سبع و ثلاثين سنة من الاستلاء على مدينة الجزائر، يجهل أحد أقطاب الماسونية، الصديق للعرب، و المتكلم بلغتهم على ما يبدوا بوجود الأخويَّات! من المؤكد أن الوصول إلى الملغمة بين الأشخاص غير المتعارفين يقتضي السير في طريق طويل)).

هذا ما يجعل أيضا هذا الغموض في رسالة محفل " هنري الرابع "، و كذلك في النصوص التي سأعرضها لاحقا أكثر إثارة للذهول. إنها تتناول جميعها هذه التفاهات المبتذلة السائدة في ذلك العصر عن الشرق، و لكنها في الوقت نفسه تعرض مظاهر إيجابية جدا في تمثيل الماضي و النظر إلى مستقبل ممكن عبر تلميحات إلى " القومية المجيدة ... و شهامة تلك الأرومة التي لم تنتكس و إنما تبدو خامدة ... و يمكن أن تستيقظ لتحقيق إنجازات عظيمة ... تتجلّى بالشهامة و التضحية ... عدا ما حوته من أسلاف عظام نقلوا الثقافة إلى أوربة ... " مع ذلك تجدر الإشارة إلى أن هذه الصورة تتوافق عمليًا مع تلك التي سيبرزها بعد عدة سنوات باعثو النهضة العربية في باريس كما في أمكنة أخرى، من جمال الدين الأفغاني إلى الكواكبي و حتى فيما بعد إلى حزب " البعث" و الواقع أننا نعرف، منذ أطروحة "تييري زركون "، و أبحاث " فنسان كوش"، أن أحد عوامل تلك الايديولوجية الجديدة يعود، جزئيا إلى المحافل الماسونية؛ إذ يوجد هنا تلاحق مدهش إلا إذا كان هناك خدعة أو إخراج آخر في تاريخ ليس له، دون شك، ذات المعنى، بالنسبة للصوفيين و للمؤرخين. لكن يجب ألا ينسينا هذا غموض مسعى عبد القادر كما سأبينه في اللامنطق الذي يرتكبه الماسونيون في تفسيرهم؛ إضافة إلى أنه لا يمكن من شرح المظاهر السلبية كليا، التي ينشرونها في الوقت ذاته عن صورة الشرق. و إذا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير