تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وازدادت قوات طارق بن زياد بعد معركة وادي بكة؛ لأن الإمدادات انهالت عليه من المغرب، ورأى طارق أن يتابع زحفه دون إبطاء ليستولي على قرطبة ويقضي على ما بها من بقايا جيش القوط، غير أنه لقي في الطريق إلى هذه المدينة مقاومة عنيفة جعلته يعدل عن خطته ويبادر بالاستيلاء على طليطلة عاصمة دولة القوط ويتوج بذلك انتصاراته في أسبانيا، وكان السبب في هذا التطوّر الجديد هو ما بلغ طارقا من أن أنصار لوذريق حين ترامت إليهم الشائعات بأن ملكهم لم يقتل بدءوا يجمعون صفوفهم مرّة أخرى في طليطلة لمقاومة المسلمين،

ومن ناحية أخرى أخذ أنصار الملك السابق غيطشة يجتمعون في طليطلة ويتشاورون فيما بينهم لإعلان أحدهم ملكا مكان لوذريق المهزوم، ولذا عجل طارق بإرسال جزء من جيشه للاستيلاء على قرطبة ليحمي ممتلكاته بجنوب أسبانيا، على حين انطلق بنفسه سريعا إلى طليطلة قبل أن يتمكّن أتباع لوذريق من تحصينها، وقبل أن يصل أبناء غيطشة أيضا إلى قرار يصعب على المسلمين مواجهته، ذلك أن بيت غيطشة ظلّ واهما حتى تلك الأحداث بأن المسلمين ما جاءوا إلا للمغانم مقابل مساعدة أبناء غيطشة للوصول إلى العرش، واستولى طارق بن زياد على مدينة طليطلة في سهولة ويسر؛ لأن القوط آثروا تجنّب لقاء المسلمين انتظارا لما تسفر عنه استعداداتهم، وحاول طارق أن يتتبع فلول القوط الهاربة من طليطلة حتى بلغ مدينة أطلق عليها (المائدة) على مقربة من هنارس، وهناك عثر المسلمون على كنز ثمين، عبارة عن مذبح كنيسة طليطلة المحلى بأغلى ما كان لدى القوط من الذهب والجواهر، غير أن طارقا اضطرّ إلى العودة إلى طليطلة لأن الصيف كان قد انقضى؛ فآثر البقاء في العاصمة دون أن يعرض جنده لبرد الشتاء القارس، وفي طليطلة بلغه أن جيشه الذي بعث به إلى قرطبة قد استولى عليها.

وقد شعر موسى بن نصير أن زحف طارق وراء فلول القوط يوشك أن يعرض الفتوح الإسلامية في البلاد الأسبانية المترامية الأطراف لخطر محقّق، ذلك أن خطوط مواصلات المسلمين فيما بين طليطلة والجزيرة الخضراء وبلاد المغرب صارت غير آمنة؛ لأن المعاقل الكبرى المبعثرة على امتداد تلك الخطوط لم تخضع للمسلمين، ولم يسيطر طارق إلا على قرطبة فقط من بين تلك المعاقل المتعددة، هذا إلى أن قرطبة لم يكن بها سوى حامية صغيرة لا تستطيع أن تؤدي رسالتها كما ينبغي إذا انبعثت أية حركة مقاومة بين صفوف القوط، وأول من شعر بالخطر الذي بات يهدّد المسلمين في أسبانيا هو القائد يوليان الذي قام إذ ذاك في الجزيرة الخضراء ليؤمن خطوط مواصلات المسلمين بين أسبانيا والمغرب، وذلك في الوقت الذي اندفع فيه طارق بن زياد إلى طليطلة عاصمة القوط، فقد بعث يوليان مجموعة من رجاله مع المسلمين عند توغّلهم في البلاد،

واستطاعت بفضل خبرتها وأهلها أن تدرك ما يدور في نفوس القوط من غدر، وأنهم يتجمّعون وفق خطة مرسومة لإنزال الهزيمة بالمسلمين، أفضى يوليان إلى طارق بما جاءه من أخبار وطلب منه القيام بعمل حاسم لتأمين ظهر جيوشه، غير أن طارقا آثر البقاء في طليطلة دون القيام بأية أعمال توسيعية، ثم كلّف يوليان بأن يتصل بموسى بن نصير في القيروان ويطلب إليه سرعة المجيء إلى أسبانيا لإنقاذ الموقف.

ولما جاءت استغاثة طارق إلى موسى بن نصير أدرك أن مخاوفه من انطلاق طارق في فتوحه بعد معركة وادي بكة لها ما يسوغها، وأسرع موسى بإعداد جيش مكوّن من ثمانية عشر ألفا من خيرة جنده، وكان معظمهم من العرب والبربر الذين عرفوا بقوّة الشكيمة وشدّة المراس، وممن اشتهروا ببلائهم في ميدان الحروب ببلاد المغرب، وغادر موسى بلاد المغرب على عجل، وقسّم موسى بن نصير جيشه بحسب القبائل ليسهل عبورها إلى الأندلس دون أن تقع فوضى في صفوف الجند، وفي رمضان عام 93هـ (يونيه 712م) كان موسى ابن نصير قد غادر المغرب ووصل إلى الجزيرة الخضراء في الأندلس، وشيّد بها مسجدا وانتظر هناك حتى تمّ عبور سائر الجند واطمأنّ على سلامتهم وحسن ترتيبهم،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير