تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وضع في فترة لاحقة حيث يذكر الدكتور عبد العزيز الدوري "أن الأمر لم يخل من ادعاءات يهودية" [15]. كما تدعي رواية يهودية بأن اليهود طلبوا من عمر بن الخطاب السماح لهم باستقدام مائتي عائلة يهودية من مصر للسكن في القدس، ولكن البطريق صفرونيوس عارض ذلك، فسمح عمر بن الخطاب لسبعين عائلة بالحضور من مصر وأسكنهم جنوب الحرم [16] القدسي. ويسهل كشف كذب هذا الادعاء ببساطة، فمصر قد فتحت بعد فتح القدس بأربع سنوات.

ومن المحتمل أن عبارٍة "ألا يساكنهم فيها اليهود" المذكورة في النصين إنما تدل على أن القدس كما هو معلوم تاريخيا كانت خالية من اليهود، ولم يشأ النصارى أن يسكنها اليهود من جديد تحت حكم المسلمين. وليس كما فسرها اليهود من أن اليهود كانوا يسكنون في القدس, واشترط النصارى على المسلمين إخراجهم منها.

أما النص الذي أورده ابن عساكر، والذي أورد مجيرالدين نصاً يشبهه بالإضافة للنص المذكور سابقاً، فمن المستبعد جداً أن يكون صحيحا، بالإضافة إلى أنه يفيد بأنه وضع لأهل الشام عامة وليس لأهل القدس خاصة كما ذكر مجيرالدين. كما أنه من المستغرب أن يضع المغلوبون الشروط التي يرتضونها لينعقد الأمان لهم على يد الغالب، كما أنه من غير المنطقي أن يتعهد النصارى بعدم قراءة القرآن في الوقت الذي يستشهدون بآية منه في النص نفسه {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.

ويلفت النظر أيضاً اختلاف هذا النص المطول عن عهود المدن الأخرى التي كانت بالغة البساطة، وإنه نص يدل على وجود صلات قوية بين المسلمين والنصارى أقوى من الصلات الفعلية التي كانت في مستهل أيام الفتح, وأنه احتوى شروطاً لأمور لم تكن موجودة في ذلك الزمن، كجز المقادم وشد الزنانير ونقش الخواتم والتكني بكنى المسلمين ... ويبدو أن مثل هذا النموذج من العقود كانت تضعه المدارس الفقهية الإسلامية لتصور واجبات وحقوق لأهل الذمة كالنموذج الوارد في كتاب الأم للشافعي [17].

من هذا كله نرى أن هذه الروايات لنصوص العهود المسماة بالعهدة العمرية قد وسعت وطورت على الزمن تبعاً لتطور أحوال أهل الذمة منذ عهد عمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد والمتوكل إلى عهود بعدها لأنها احتوت شروطاً لأمور لم تكن موجودة أو معروفة زمن الفتح، فطورت من نصوص مختصرة، أقرب ما تكون للحقيقة، كنصوص اليعقوبي، وابن البطريق وابن الجوزي، إلى نصوص مطولة تحتوي شروطاً مستهجنة كنص الطبري ومجير الدين [18] أو نص مختلف في الصيغة والشروط والمحتويات كنص ابن عساكر [19].

أما النص الأخير الذي نشرته بطريركية الروم الأرثوذكس بالقدس عام 1953 ميلادية، فإن جميع الدلائل، من أسلوب، وألفاظ، وأحكام، ومعلومات تاريخية، تشير إلى أنه غير صحيح. وسوف أقوم بتفنيده في بحث آخر إن شاء الله.

ولعل من المفيد أن نعلم في نهاية البحث أن المؤرخ فيليب حتي ينكر وجود العهدة العمرية [20] ذاتها، بدعوى أن مؤتمر الجابية الذي عقده الخليفة عمر بن الخطاب، لبحث الأمور الإدارية بالشام، لم يعرف بالضبط ما الذي دار فيه وما هي القرارات التي اتخذها [21] معتمداً في ذلك مع المؤرخ ترتون [22] على اختلاف روايات تلك النصوص، واحتوائها على معلومات وأحكاماً وجدت في عصور تالية لعصر الفتح. وإنني لا أوافقه على نفي وجود مثل هذا العهد أصلا. والله اعلم.

المرا جع:

1 - ابن البطريق، أفشيشيوس الإسكندري، المتوفى عام 328 هـ؛ التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق، بيروت 1904م.

2ـ ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن علي بن الجوزي: المتوفى 597 هـ فضائل القدس، تحقيق د. جبرائيل سليمان بيروت 1980 م.

3 - ابن عساكر، علي بن الحسن بن هبة الله… الدمشقي الشافعي أبو القاسم، المتوفى عام 571 هـ، تاريخ تهذيب دمشق وأخبارها ... (التاريخ الكير)، دمشق دار المسيرة/ بيروت 1329هـ.

4 - أحمد زكي صفوت: جمهرة رسائل العرب مصر 1917م.

5 - البلاذري/ أحمد بن يحي بن جابر بن داود البغدادي (القرن الثالث الهجري): فتوح البلدان، القاهرة 1956 م.

6 - Tritton (A.s)the calisphs and their non _ moslim subjects oxford 1930

7- حتى، تاريخ العرب، مطول بيروت.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير