تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومع كثرة البلاد التي طاف بها الأفغاني يمكن القول أنه لم يُحدث أثرا في أي من هذه البلاد كما أحدث في مصر التي أقام بها قرابة ثماني سنوات بدأت في مارس 1871 وامتدت حتى أغسطس 1879.

حيث دخل السيد جمال الدين الافغاني مصر ـ للمرة الثانية ـ في مارس في أول المحرم سنة 1288 هـ (مارس سنة 1871 م)، فأجرت عليه حكومة إسماعيل باشا راتباً مقداره ألف قرش كل شهر، دون عمل، و كان الطلبة يقرأون عليه في بيته في علم الكلام، والحكمة النظرية، من طبيعية وعقلية، وعلوم الفلك، والتصوف كنوع من التضليل.

و، وتولى رياض باشا رعايته فيها، وأعد له سكنًا في حارة اليهود حيث يمكن الافغاني انشاء جمعياته السرية. و بمساعدة من رياض باشا ضم الافغاني إليه عددًا كبيرًا من أصحاب النفوذ في مصر.

وكان اسماعيل باشا قد استقدمه لأمرين:

1ـ أن اسماعيل باشا كان أيضاً ماسونيا:

بل و متحمساً للماسونية مع ميل جارف

الى الاوربيين، فلذلك رحب بأحد أكابر الماسونيين العالميين الذين يسيرون في فلك الماسونية العالمية، لا سيما البريطانية منها.

2ـ طموحات اسماعيل باشا الانفصالية:

فليس خافياً ما كان يبذله اسماعيل باشا من المساعي للانفصال عن تركيا في ذلك الحين، وظهوره بمظهر العاهل المستقل، كمافي المعرض العالمي في باريس سنة 1967، وفي إغفاله دعوة السلطان إلي حضور حفلات افتتاح القناة سنة 1869، وعزمه على اعلان استقلال مصر التام في تلك الحفلات ـ لولا العقبات السياسية التي اعترضته مما أوجد انواعاً من مظاهر الفتور والجفاء بين الخديوي والسلطان التي كادت أن تقطع الروابط بينهما، وأخصها فرمان نوفمبر سنة 1869 الذي اصدره السلطان منتقصا من سلطة الخديوي.

فقد كان إسماعيل يرى في حكمه منافساً لحكومة الأستانة في المكانة والنفوذ السياسي، وينظر إليها بعين الزراية، ولا يرضى لمصر أن تكون تابعة لتركيا، ولا أن يكون هو تابعاً للسلطان العثماني، مستطيلاً بذلك بعلاقاته مع الانجليز، إذ كان يطمح للانضمام الى اوربا، وكان كثيرا ما يصرح بأن حلمه الأكبر أن يجعل من مصر قطعة من أوربا.

ولذلك فقد وجد اسماعيل باشا ضالته في الافغاني الذي كان يناهض الحكم العثماني أينما حل.

الأفغاني و العمل السري:

مما يريب اللباحث في شخصية الافغاني وأهدافه -أيضاً- أن جلٌُّ نشاطاته كانت تتم بالخفاء حيث ما حل، وأنَّى ارتحل.

واتجه جمال الدين للانخراط في العمل السري بعدة وسائل، فمن ذلك:

أـ الانخراط في الماسونية:

سرعان ما اتصل الافغاني بالماسونية العالمية بالديار المصرية منذ حل في أرضها، فانضم مباشرةً إلى المحفل الماسوني البريطاني.

وفي كلمة ألقاها في المحفل البريطاني عاب فيها عليهم عدم التدخل في السياسة، يقول فيها: «دعوني أكون عاملاً ماسونياً نزيهاً متجنباً للرذائل، إذا لم يكن حرصاً على شرف شخصي؛ فتخوفاً من أن تعاب الماسونية بي، فيتخذني الأغيار سهماً للطعن بها وهي براء منه، وما ذنب الماسونية إلا أنها قبلتني بين أفرادها دون اختيار صحيح، وأبقت عليّ من غير تبصُّر؟!).

إلاَّ أنه استقال من المحفل الاسكتلندي البريطاني ـ كخطوة سياسية ـ،إذ كيف يكون من سيتصدر الثورة ضد الاحتلال الانجليزي أمام الجماهير عضوا في محفل ماسوني بريطاني.

ـ و التحق بمحفل كوكب الشرق، و هو أول محفل إشتغل باللغة العربية، وكان لايؤمه إلا المصريون فحسب أو من هم في حكمهم، وقد ترأسه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وبعض الشوام.

ـ ثم انتقل بعد ذلك إلى المحفل الماسوني الفرنسي، ووجه إليهم خطاباً يطلب فيه الانضمام إليهم؛ قال فيه:

«يقول مدرس العلوم الفلسفية بمصر المحروسة -جمال الدين الكابلي الذي مضى من عمره سبعة وثلاثون سنة-: بأني أرجو من إخوان الصفا وأستدعي من خلال الوفا- أعني: أرباب المقدس الماسوني؛ الذي هو عن الخلل والزلل مصون! - أن يمنوا علي ويتفضلوا إلي بقبولي في ذلك المجمع المطهر! وبإدخالي في سلك المنخرطين في ذلك المنتدى المفتخر، ولكم الفضل» (13).

ـ وبعد ثلاث سنوات أصبح من أهم رجال المحفل الماسوني، بل تم اختياره رئيساً له؛ كما جاء في رسالة المحفل إلى جمال الدين، وهي:

لوج كوكب الشرق

نمرة 1255

في القاهرة بمصر و7 جنايو 1878/ 5878

إلى الأخ جمال الدين المحترم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير