[ورقات في كتابة التاريخ الإسلامي]
ـ[محمد الجبلي]ــــــــ[26 - 09 - 07, 07:39 م]ـ
تمهيد: التاريخ علم جليل، عظيم الفوائد، به تعرف أحوال الأمم الماضية وسير الأعلام الفانية، وهو عرض الأمة إذا انتهك تاريخها انتهك عرضها، وإذا سلم سلم عرضها وسار ينظر إليها بعين الرضى.
وماضي الأمة يحدد مستقبلها، والمستقبل ملك لمن أدرك التاريخ واستوعبه، ذلك أن اليوم وليد الأمس وجنين المستقبل – كما يقال. والعاقبة لمن فقه التاريخ وأحسن دراسته.
والأمة الإسلامية لها تاريخها الحافل بالمنجزات العظام، وهذا التاريخ له ميزة خاصة، ذلك أنه تاريخ خير خلق الله: الرسول (ص) وصحابته رضوان الله عليهم، وتابعيهم وتابعي تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وهم الذين أعطوا الصورة العملية النموذجية للإسلام، وهم الذين حملوا لنا هذا الدين.
وبالتالي فإن تشويه التاريخ الإسلامي هو تشويه وطعن في حملة الإسلام ومبلغيه، وإذا طعن في الحامل لم يسلم المحمول.
أضف إلى ذلك ظروف تدوينه، فمن المعلوم أن عصر التدوين كان حوالي قرنين بعد الهجرة، وخلال هذه الفترة حدثت أحداث وفتن وظهرت فرق وأشياع، كل يحاول تلميع صورته وتشويه صورة الآخر. ثم جاء دور المستشرقين فألفوا ما ألفوا من الكتب وحرفوا ما حرفوا من الحقائق ... وما أن انتهى المستشرقون حتى جاء تلاميذتهم من المتغربين فحملوا لواء الهجوم على التاريخ الإسلامي حتى صوروه لنا مشوها مزيفا.
بناء على كل ما سبق يجد المسلمون أنفسهم في حاجة إلى عصر تدوين جديد، يصححون فيه الأخطاء ويقوموا الإعوجاج ويفندوا الأباطيل والأكاذيب وفق منهج سليم يراعي خصوصية التاريخ الإسلامي وظروف تدوينه.
وذلك بتحقيق الروايات التاريخية وفق الموازين النقدية التي اعتمدها علماء الحديث خاصة " علم الجرح والتعديل " ثم إعادة صياغته حسب الضوابط الشرعية، فهو تاريخ دين وعقيدة قبل أن يكون تاريخ حروب وتطاحنات سياسية.
هذا ما سنحاول التفصيل فيه في هذه الصفحات إن شاء الله.
ظروف تدوين التاريخ الإسلامي
كان عصر التدوين في العهد العباسي بعد الهجرة بحوالي 200 سنة، فسار المؤرخون يسمعون الأخبار والروايات عن أحداث ووقائع حدثت، منها ما مضى على حدوثها قرن ونصف من الزمن، ومنها ما مضى عليها قرن أو نصفه، وبقيت أخبارها تروى وتنقل عن طريق الرواية جيلا عن جيل، اعتمادا على الحفظ والذاكرة، إلا أن هذه الأخبار قد سقط بعضها نتيجة النسيان، وقد زاد فيها أصحابها أو نقصوا، وقد تتغير الأخبار وتحرف بفعل تعدد سلسلة الرواة، فالخبر يتغير بين الأمس واليوم، فما بالك بالسنوات الطوال. ثم إن عصر التدوين جاء بعد أن ظهرت فرق وأشياع، فظرت الخوارج والشيعة وفرق أخرى، كل يحاول تلميع صورته وتشويه صورة الآخرين.
فهذه شيعة علي من شدة حبها لأهل البيت، سارت تحمل على من يخالفها إلى درجة أنها أحدثت نصوصا تثبت من خلالها أحقية علي بالخلافة بدل أبي بكر، بل نجد عندهم روايات و أخبار تطعن في أبي بكر و عمر و تصفهما بأوصاف لا تليق بمقامهما.
و هناك يهود و نصارى و ماجوس دخلوا في الإسلام نفاقا، فأظهروا الإسلام و ساروا يحاربونه من الداخل لكي يثق بهم المسلمون، ثم لا يؤدوا الجزية. و ما فعلته الحركة السبئية من قتل عثمان - رضي الله عنه – و إثارة الفتن لخير دليل، حتى أصبحنا نسمع أن الصحابة – رضوان الله عليهم – أهل خدع وكذب و تحايل، و أصحاب مصالح! و هم المشهود لهم بالصلاح من الله عز و جل "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله و رضوان" "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا" "لقد رضي الله عن المؤمنين ... " و هم الجيل الذي أخذ الإسلام من المنبع الصافي – القرآن و السنة – و طبقوه أحسن تطبيق فكانوا مسلمين نماذج قدوة لبقية الأجيال اللاحقة، و هم الذين نشروا الإسلام و فتحوا البلاد وحرروا العباد. قال الرسول (ص) "الله الله في أصحابي، لا تتخدوهم غرضا فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، و من آذاهم فقد آذاني، و من آذاني فقد آذى الله و من آذى الله يوشك أن يأخذه"
¥