وفي "مسند الإمام أحمد" قال: حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثني الحسين بن واقد، حدّثني عبدالله بن بريدة، حدّثني أبي بريدة، قال: حاصرنا خيبر فأخذ اللّواء أبوبكر فانصرف ولم يفتح له، ثمّ أخذه من الغد فخرج فرجع ولم يفتح له، وأصاب النّاس يومئذ شدّة وجهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إنّي دافع اللّواء غدًا إلى رجل يحبّه الله ورسوله، ويحبّ الله ورسوله، لا يرجع حتّى يفتح له)) فبتنا طيّبة أنفسنا أنّ الفتح غدًا، فلمّا أن أصبح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلّى الغداة ثمّ قام قائمًا فدعا باللّواء، والنّاس على مصافّهم، فدعا عليًّا وهو أرمد فتفل في عينيه ودفع إليه اللّواء، وفتح له. قال بريدة: وأنا فيمن تطاول لها.
وجاء في "مسند أبي يعلى" من حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخذ الرّاية فقال: ((من يأخذها))؟ فقال الزّبير: أنا، فقال: ((أمط))، ثمّ قال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من يأخذها))؟ فقال رجل: أنا. فقال له النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أمط)) ثمّ قال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من يأخذها))؟ فقال رجل آخر: أنا. فقال: ((أمط)) فأعطاها علي بن أبي طالب وفتح الله على يديه خيبر.
وقد خرج مرحب وهو سيّد أهل خيبر يخطر بسيفه ويقول:
قد علمت خيبر أنّي مرحب××× شاكي السّلاح بطل مجرّب
إذا الحروب أقبلت تلهّب
فبرز له عامر بن الأكوع فقال:
قد علمت خيبر أنّي عامر ××× شاكي السّلاح بطل مغامر
قال: فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يسفل له، فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله، فكانت فيها نفسه.
فخرج عليّ فقال:
أنا الّذي سمّتني أمّي حيدره ××× كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصّاع كيل السّندره
قال: فضرب رأس مرحب فقتله، ثمّ كان الفتح على يديه.
وهكذا عمرو بن ود العامري فقد قتله علي بن أبي طالب وشارك في قتل ثلاثة من صناديد قريش وأنزل الله عز وجل: {هذان خصمان اختصموا في ربّهم [6]}.
فهذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه والذي اجتمعت فيه الشجاعة والفقه في الدين والزهد في الدنيا، وارتفعت منْزلته حتى صار مستشارًا لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما بسبب ما أعطاه الله من الفقه.
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في علي بن أبي طالب: ((من كنت مولاه فعليّ مولاه)). رواه الترمذي من حديث زيد بن أرقم. وجاء عن ستة من الصحابة: ((من كنت وليّه فعليّ وليّه)).
وليس في هذا الحديث أن عليًا أحق بالخلافة، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يوص بالخلافة، وإنما أشار إشارات أنّها لأبي بكر الصديق وهو حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((ادعي لي أباك وأخاك، حتّى أكتب كتابًا، فإنّي أخاف أن يتمنّى متمنّ ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلاّ أبا بكر)).
وهذا كما يقول الإمام الشافعي والطحاوي رحمهما الله: إن الحديث لا يدل على أن عليًا أحق بالخلافة، وإنما هو ولاء الإسلام كقوله تعالى: {إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون}، وكقوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} فإن قال قائل: فلم خصّ علي؟. فالجواب: أن خصوصية علي دليل على منْزلته الرفيعة.
ففرق بين علو المنْزلة، وبين الاستحقاق للخلافة، فقد يكون رجلاً من أعلم الناس، ولكن ليس لديه بصيرة بالخلافة، فهل تسلم الخلافة إلى هذا الشخص الذي يعتبر من أعلم الناس، وقد يكون من أشجع الناس، ولكنه قد لا يكون لديه بصيرة لسياسة الرعية. فالسياسة شيء والعلم والزهد والشجاعة شيء آخر. فهذه بعض الأحاديث الواردة في فضل علي رضي الله عنه.
وأما فاطمة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((فاطمة بضعة منّي يغضبني ما يغضبها، ويريبني ما أرابها)). رواه البخاري من حديث مسور بن مخرمة.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أفضل نساء أهل الجنّة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، رضي الله عنهنّ أجمعين)).
¥