والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه))، ويقول أيضًا لبني هاشم: ((لا يأتيني النّاس بأعمالهم، وتأتوني بأنسابكم)). وفي "الصحيحين" من حديث عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إنّ آل أبي فلان ليسوا بأوليائي، إنّما وليّي الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلّها ببلاها)) يعني أصلها بصلتها.
وأما حديث: ((كلّ سبب ونسب ينقطع إلاّ سببي ونسبي))، وظاهره التعارض مع قول الله عز وجل: {فإذا نفخ في الصّور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون}، وهو حديث صحيح وقد كنت أقول بضعفه، لأنني لم أستوعب طرقه. وهذا الحديث يدل على أن من كان مستقيمًا في هذا الزمن، فإنه يشمله هذا الحديث، وليس مجرد زهد وهو يختلس أموال الناس بالحروز والعزائم.
فنريد أن نسلك مسلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفاطمة الزاهدة التقية، وهكذا الحسن والحسين رضي الله عنهما.
والذي يسب الصحابة ليس له نصيب في هذه الفضيلة، يقول الله سبحانه وتعالى في شأن الصحابة: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجةً من الّذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى}.
فلا يشغلوك بمعاوية ولا بفلان وفلان بل اشتغل بنفسك فهل أنت راض عن نفسك؟ ولقد أحسن من قال:
بنفسي عن ذنوب بني أميّةإليه علم ذلك لا إليّهإذا ما الله يغفر ما لديّه
لعمرك إن في ذنبي لشغلاًعلى ربي حسابهم جميعًاوليس بضائري ما قد أتوه
أما مسألة سب الصحابة فإن الله عز وجل يقول: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّات تجري تحتها الأنْهار خالدين فيها أبدًا}. ويقول: {لقد تاب الله على النّبيّ والمهاجرين والأنصار الّذين اتّبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثمّ تاب عليهم}.
فالذي يسب صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يدخل في هذه الفضيلة، وكذلك الذي يسب السنة ويتبرم من السنة ويؤذي أهل السنة. ومازال العلماء في اليمن منذ القدم وهم يعانون الأذى من الشيعة. وأول من أدخل التشيع والاعتزال إلى اليمن هو الهادي المقبور بصعدة، وقد دخل في زمن عبدالرزاق قبل الهادي، لكنه دخل دخولاً خصوصيًا لعبدالرزاق نفسه، أما الذي نشره في اليمن فهو الهادي.
أما بالنسبة للتشيع فيجب أن نكون كلنا من شيعة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأن التشيع بمعنى الإتباع، فنحن من أتباع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأما حديث: ((ياعليّ أنت وشيعتك في الجنة))، فإنه حديث موضوع، ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات". وأما الاعتزال فهو نسف للعقيدة، فإن المعتزلة لا يؤمنون بأسماء الله وصفاته كما هي، وهم قريبون من الخوارج يحكمون على صاحب الكبيرة بأنه مخلد في النار، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((يخرج من النّار من قال: لا إله إلاّ الله، وفي قلبه وزن ذرّة من خير)).
فهذه الأدلة المتقدمة خير من الأكاذيب والترهات التي تلقى علينا من أمثال: ((أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى))، ومثل: ((عليّ خير البشر، من أبى فقد كفر)). وعلى قولهم هذا فعليّ خير من الأنبياء والناس أجمعين.
وهذا الذي تقدم من فضائل أهل بيت النبوة هو قطرة من مطرة، لأن محاضرة واحدة لن تستوعب فضائل أهل بيت النبوة، فقد ألف الدولابي كتابًا بعنوان "الذرية الطاهرة"، وألف الإمام أحمد كتابًا في فضائل الصحابة وذكر الشيء الكثير من فضائل أهل بيت النبوة، وألف المحب الطبري كتابًا بعنوان "ذخائر العقبى في فضائل ذوي القربى"، وهو كتاب جمع فيه الصحيح والضعيف والموضوع وما لا أصل له، لأن صاحبه ليس بمحدث، والشوكاني له كتاب بعنوان "در السحابة في فضائل الصحابة والقرابة"، ولم يتحر الأحاديث الصحيحة. من أجل هذا نتمنى أن الله يوفق طالب علم ويكتب في فضائل أهل بيت النبوة بعنوان "الصحيح المسند من فضائل أهل بيت النبوة" [18].
¥