تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من أيام الجامعة ... في صحبة د. خالد كبير علال]

ـ[الطيب العقبي]ــــــــ[20 - 10 - 07, 12:43 م]ـ

من أيَّام الجامعة

في صُحبَة د. "خَالِد كَبِير علاَّل"

قبل عامين من كتابة هذه السطورـ وتحديدا ابتداء من صائفة عام 2004م ـ كنت أصرف سواد ليلي وبياض نهاري في التَّحضير لشهادة البكالوريا، وقد توِّج ذلك الإجتهاد ـ ولله الحمد ـ بالنجاح والتفوُّق، وما إن خرجت من ذلك الإضطراب النفسي الذي يلاحق عادة المترشحين لمثل هذه الشهادات، حتى وقعت في حيرة واضطراب من نوع آخر، كان سببه ازدحام التخصصات بين يدي وترددي في اختيار التخصص الذي يرضي ميولي ويناسب طبعي، وصرت كما قال القائل:

تكاثرت الظباء على خراش ... فما يدري خراش ما يصيد

فأي تخصص سأختار؟ وأنا الذي تتجدَّد ميولاتي ـ بل سَمِّها أهوائي ـ بين الحين والآخر، فتارة أغرم بالفلسفة، فتجدني أقرأ عن "ماركس" و"سارتر" وغيرهما، وتارة أميل للشريعة والتدين، فأرتدي جبَّة الفقيه وأقرأ لـ"ابن تيمية" و"ابن عبد الوهاب" وتارة أخرى يستحوذ علي الإعلام، فتجدني متابعا للأحداث، أقتني الجرائد وأكدِّسها، وأتابع البرامج الإخبارية، وهلم جرا، غير أني أدركت لاحقا أن تلك الميول والأهواء لم تكن في حقيقة الأمر سوى مراهقة فكرية، كان يغذيها الفضول وحب الإطلاع والتطفل، وكأنني أردت أن أحيط بكل علم وبكل فن، وأضرب في كل ميدان بسهم، فكنت أرهق نفسي وأشتِّتها في المطالعات المتنوعة التي ينقصها التوجيه والتهذيب، ولكن في الغالب لم تخرج تلك الميولات على تنوعها وتعددها عن الحيز الأدبي، فقد نفرت من العلوم الطبيعية والتقنية، بعد أن اكتويت بنار التكنولوجيا والكمياء والرسم البياني والرياضيات مدة حولين كاملين، وليس ذاك النفور لعجز فينا ـ عَلِمَ الله ـ فقد كنت مُبَرِّزا في الرياضيات ومولعا بالفيزياء والفلك ـ خاصة في المرحلة الإكمالية ـ المتوسطة ـ وذلك قبل أن تصرفني نوائب الحدَثَان وحوادث الأيام عن كل ما يتصل بلغة الأعداد، وإلا فلولا تلك المعوِّقات لكنت كما قال شيخنا "الطيب العقبي" رحمه الله:

لولا الحوادث قد حططن رحالا ... بحماي كنت الشاعرالمفضالا

وسموت في طلب الكمال مبُرِّزا ... وتركت خلفي في الحضيض رجالا

...

وكان أثناء ذلك أن اهتديت إلى صديق قد خَبِرَ الحياة الجامعية، واكتوى بحلوها ومرها، وتقلَّب في نعيمها وجحيمها، أفضيت إليه بما أجد، وبما وقع لي من الحيرة والإضطراب بشأن هذه الميولات التي تتنازعني، فكان أن أشار علي باختيار أحد شعب "المدرسة العليا في الآداب والعلوم الإنسانية" للإمتيازات التي تتوفر عليها ـ كعقد التوظيف ـ وما إلى ذلك، ورغبني فيها ومدحها لي وشوَّقني إليها، حتى تمكَّن هواها من قلبي ونسخ ما كان يتنازعني من الأهواء، حتى خُيِّل إلي أني أشقى إنسان إذا لم أوفق للتسجيل في هذه المدرسة، وقد وَجَدتُنِي مطمئنا منشرح الصدر لهذا الإختيار، خاصة وأن هذه المدرسة تتواجد بعاصمة البلاد ـ الجزائر ـ ولا ينتسب إليها إلا المتفوقون، بل وقبل ذلك كنت كارها أن أوجه تلقائيا لمزاولة الدراسة غرب البلاد، لإعتقادي أنه لا يتوفر على ما تتوفر عليه العاصمة من المكتبات، والنوادي العلمية والثقافية، كما هو الواقع.

ولما رأى صديقي اطمئناني إلى ما أشار به علي، أخذ يلح علي مرة أخرى في اختيار شعبة التاريخ، وأخذ ـ مرة أخرى ـ في مدحها، خاصة وأنها الشعبة التي قضى فيها مدَّة خمس سنوات كاملة، غير أن صاحبي لم يدر أنه بعث في نفسي هوى قديما تعلقت به مذ دخلت سن التمييز وأخذت أعقل، لكنه يبقى هوى قديما تعاقبت عليه أهواء أخرى، إذا ما الذي سيغريني بالتاريخ؟ ربما ضرب زميلي على وتر العلامة النادرة التي تحصلت عليها في مادة التاريخ وهي علامة 17.5 من أصل 20 نقطة، وهي علامة نادرة في المواد الإنسانية ـ حسب ما أزعم ـ فربما عوَّل زميلي على هذه العلامة ليصرفني إلى شعبة التاريخ، وأنا أعتقد أن هذا لم يكن كافيا ليغريني بالتاريخ، خاصة وأني شغفت في تلك الأيام بالفلسفة، التي كنت متفوقا فيها وأخذت في تدريسها لزملائي بطريقة أبسط من تلك التي كان ينتهجها الأستاذ على حسب رأي البعض، ولشدة تعلقي بالفلسفة حينها كان البعض يطلق عليا بالمجان أسماء الفلاسفة والمفكرين، وكان يبدو لي أن الفلسفة هي قدري الذي لا مناص منه، بل وكنت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير