تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما جعلني أقبل على قراءة كتاب الثورة على عثمان ـ رضي الله عنه ـ بكل انشراح ورحابة صدر أن صاحبه ـ الأستاذ "خالد كبير علال" ـ قد وقَّر الخليفة بأن دعاه "سيدنا" في عنوان الكتاب مما يفهم منه أنه دفاع عن هذا الصحابي الجليل الذي كثيرا ما طعن فيه الطَّاعنون.

أخذت الكتاب لأقرأه في أقل من نصف ساعة، ثم أعدت قراءته مرارا وتكرارا، ولمحت من خلال الكتاب على وجازته مدى احاطة هذا الدكتور ومدى تبحره في علوم الحديث والجرح والتعديل فضلا عن علم التاريخ، وأدركت أنه كثير الإطلاع، قد أحاط بالقضية التي يتناولها من كل الجوانب حتى لم يدع منفذا لطاعن أو لاعن، فرد كل الشبهات، وبدَّد كل الشكوك التي كانت تحوم حول ذلك الخليفة المظلوم والشهيد "عثمان بن عفان" ـ رضي الله عنه ـ فكان هذا الكتاب كالجواب الكافي والدواء الشافي لسؤال كان يعتلج في صدري قديما ولا أجد له جوابا.

إن قراءة ذلك الكتاب كانت كافية لتزيد في دفعي للتَّعرف أكثر على صاحبه عن كثب، وكان مما يحز في صدري أن لا أتمكن من التتلمذ على يدي الأستاذ "خالد" إلا في السنة الجامعية الثانية، مما جعلني أتحمل مكرها مرارة عام كامل في الصبر والإنتظار.

وكم كان ذلك العام مرَّا وقاسيا، كدت أن أندم أثناءها على اختياري، خاصة عندما وجدتني أدرس وحدات كنت نافرا منها لا أستسيغها كالإحصاء الوصفي وما قبل التاريخ والجغرافيا، بل أكثر من ذلك أن أجد الأستاذ (ة) المحاضر (ة) في وحدة "صدر الإسلام" مخيِّبا للآمال، مثبطا للهمم، فقد كان ركيكا في لغته، مضجرا في طريقته، وشحيحا في معلوماته، مما جعلني أهجر أغلب ساعات المحاضرات لأتوجه إلى "المكتبة الوطنية" التي كانت عزائي الوحيد في تلك الصدمة التي أصبت بها.

ومن حسن طالعي في تلك الأيام الرمضانية التي قضيتها في المدرسة في أول عهدي بها أن وُفِّقت إلى الإستماع إلى محاضرة للأستاذ " خالد كبير علاَّل"، كانت في 17 من رمضان بمناسبة غزوة بدر وكان معلنا عن هذه المحاضرة في أحد الأروقة، وكنت لن أعيرها كبير اهتمام ولن أحضرها لو لم ألمح اسم الدكتور ضمن قائمة المحاضرين.

وسبحان الله، كانت تلك المحاضرة مبرمجة في اليوم الذي عزمت فيه على العودة إلى الديار، مما حذا بي إلى تأجيل وقت العودة إلى ساعة متأخرة كي لا أفوِّت مثل هذه الفرصة النادرة.

فتوجهت إلى قاعة المحاضرات لأجدها ـ على غير المتوقع ـ مكتظة بالطلبة في انتظار حضور الأساتذة المحاضرين، وما هي إلا لحظات حتى دخل ثلاثة أساتذة وكنت إلى ذلك الحين لم أتعرف على وجه الأستاذ "خالد"، ولكن ما أن ارتقى الثلاثة منصَّة المحاضرة، وبدأ المقدم في كلمته حتى أشار للأستاذ وأعطى له الكلمة كأول محاضر، وأخذ الأستاذ في إلقاء كلمة ارتجالية حول غزوة بدر، وسكت كل الطلبة كأن على رؤوسهم الطير وكلهم اعجاب وانبهار بما يقدمه هذا الأستاذ من العلم والأفكار الجديدة، وبدا لي كما بدا للجميع أن الأستاذ "خالد كبير علال" كان فارس الحلبة بلا منازع، ثم جاء دور الأسئلة وكانت فرصة لا تضيع لأسأل الأستاذ سؤالا فضوليا خارجا عن موضوع المحاضرة، كان حول الاستشراق والشيعة، وكان حاصل جواب الأستاذ أن الإستشراق اتخذ من مرويات الشيعة منفذا للطعن في الإسلام بالطعن في عدالة الصحابة ونزاهتهم، وأن الإستشراق ضرره أكبر من نفعه، ولا خير فيه.

وبعد أن انفضَّت جموع الحاضرين وددت لو أتمكن من مصافحة الأستاذ وشكره شكرا خاصا على ما يبذله من جهود لكتابة تاريخ صدر الإسلام بصورة موضوعية نزيهة، ولكن حال دون ذلك حيائي وهيبة الأستاذ ووقاره.

ولكن سعدت بعد ذلك بمصافحة الأستاذ ومحادثته ـ في عامي الأول ـ مرتين احداهما حين استوقفته وهو خارج من "المدرسة العليا للأساتذة" لأسأله عن موقف الصحابي الجليل "عمار بن ياسر" ـ رضي الله عنه ـ من الفتنة الكبرى، أو دوره فيها، خاصة وأني كنت قد قرأت في أحد الكتب أنه كان من المحرضين على الخليفة عثمان ـ رضي الله عنه ـ فنفى ذلك وقال لي بأنه سيصدر له قريبا كتاب حول رؤوس الفتنة، فيه الجواب الكافي لسؤالي هذا، ولم يدم اللقاء إلا بضع دقائق، رأيت فيها من الأستاذ تواضعا جمًّا، ورأيت كيف أنه لم يتحرج من محادثة طالب على قارعة الطريق، وكم وددت أن أهطل عليه بوابل من الأسئلة التي يختلج بها صدري، ولكن لم يكن لا الوقت ولا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير