تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الحنابلة في مقدمة عبد الرحمن بن خلدون]

ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[07 - 11 - 07, 02:42 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين

اللهم صلي وسلم على نبينا وعلى آله وأصحابه أجمعين

[الحنابلة في مقدمة عبد الرحمن بن خلدون]

د/ خالد كبير علال –الجزائر

لم يتطرق العلامة عبد الرحمن بن خلدون (ت808ه) للحنابلة –طائفة و مذهبا- إلا في مواضع قليلة من مقدمته، و أغفلهم في مواضع أخري كان سياق الكلام يستدعي ذكرهم فيها. فمن المواضع التي ذكرهم فيها، أنه عندما تكلم عن انتشار المذاهب السنية الأربعة في الأقطار الإسلامية،و مدى تمذهب الناس بها، قال: ((فأما أحمد بن حنبل فمقلده قليل، لبعد مذهبه عن الاجتهاد،و أصالته في معاضدة الرواية و الأخبار بعضها ببعض، وأكثرهم بالشام و العراق من بغداد و نواحيها)) (1).

و قوله هذا غير مستقيم،و مخالف للحقائق التاريخية الثابتة، فهو أولا علل قلة أتباع المذهب الحنبلي ببعده عن الاجتهاد،و هو تعليل غبر صحيح؛ لأن من المعروف في التاريخ-و الواقع أيضا- أن عامة الناس ما كانت تختار مذاهبها و عقائدها بناء على البحث و الاجتهاد و الاقتناع، وإنما كانت تتبناها تجاوبا و انسياقا مع الظروف السياسية و الاجتماعية السائدة في المجتمع؛ لأن الغالبة العظمى من الناس كانوا-و مازالوا- على دين ملوكهم أولا و علمائهم ثانيا. فعندما حكم الرافضة الإسماعيلية مصر تحوّل معظم شعبها إلى مذهبهم؛ و عندما استعادها الأيوبيون تخلى الناس عن ذلك المذهب و عادوا إلى المذاهب السنية الأربعة، و هذا أمر ثابت متواتر لا يحتاج إلى توثيق.

و أما الأسباب الحقيقية التي أدت إلى قلة أتباع المذهب الحنبلي، فلم يذكرها ابن خلدون في مقدمته؛ وهي –في اعتقادي- أربعة أسباب أساسية، أولها تأخر ظهور مذهب الحنابلة، فهو آخر المذاهب السنية ظهورا و انتشارا (ق:3 - 4ه).فقد سبقه المذهب الحنفي و المالكي و الشافعي؛ لذا فهو عندما ظهر وجد الناس قد تمذهبوا بتلك المذاهب، مما صعّب عليه الانتشار بينهم. و الثاني هو أنه لم يكن للحنابلة – خلال العصر الإسلامي- دولة تبنت مذهبهم و طبقته على الناس أصولا و فروعا.و السبب الثالث هو أن علماء الحنابلة و أعيانهم ابتعدوا عن العمل السياسي المباشر و الفعّال، كتسلّم الوزارة و الحجابة،و قيادة الجيوش؛ و لا يعرف من تولى منهم الوزارة إلا نحو خمسة فقط (في ظرف يزيد عن خمسة قرون)، أشهرهم: عون الدين بن هبيرة (ت 560ه) و جلال الدين بن يونس (ق:6ه). فابتعادهم عن ذلك حرم مذهبهم من الدعم السياسي و المادي للانتشار بين الناس.

و السبب الرابع هو أن المذهب الحنبلي وجد في طريقه ضغوطات و عراقيل كثيرة من المذاهب السنية الأخرى؛ فقد تصدت له و قاومته و حدّت من نشاطه، في فترات كثيرة من التاريخ الإسلامي، كما هو الحال زمن الوزير السلجوقي نظام الملك (ت485ه)،و الأيوبيين و المماليك (2). لكن المذاهب السنية الأخرى حالها يختلف عن حال المذهب الحنبلي؛ فهي أهم عامل ساهم في انتشارها و تثبيتها و صمودها، هو العامل السياسي فقد كانت لها دول تبنتها و دافعت عنها بحماس؛ فمن الثابت تاريخيا أن معظم دول المغرب و الأندلس كانت تتبنى المذهب المالكي. و الدولة العباسية و السلجوقية و الزنكية و العثمانية كانت كلها على المذهب الحنفي. و الدولتان الأيوبية و المملوكية كانتا على المذهب الشافعي. و أما العوامل الأخرى فإن تأثيرها كان محدودا لا يرقى إلى تأثير العامل السياسي الحاسم.

و أما ثانيا فإن ابن خلدون ذكر أن مذهب الإمام احمد بعيد عن الاجتهاد، و هو قول غير صحيح، لأن توسع المذهب الحنبلي في الأخذ بالروايات و أقوال السلف لم يحد من مجال اجتهاداته، وإنما زوّده بثروة علمية متنوعة من الاختيارات و المناهج،و فتح عليه مجالا واسعا للاجتهاد تعليلا و مقارنة و اختيارا. و الشاهد على ذلك أن الحنابلة الأوائل قد رووا عن إمامهم ثروة فقهية كبيرة و متنوعة جمع أكثرها أبو بكر الخلال (ت311ه) و تلميذه غلام الخلال (ت361ه) (3). و رووا عنه-أيضا- أنه كان يذم التقليد و يحث على الاجتهاد في الفروع، كقوله: ((لا تقلدني و لا تقلد مالكا و لا الأوزاعي و لا النخعي و لا غيرهم، و خذ الأحكام

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير