تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من حيث أخذوا، من الكتاب و السنة)) (4).

و مما يُبين أن الاجتهاد في المذهب الحنبلي أصيل و له مكانة مرموقة فيه، أنه قد برز فيه علماء مجتهدون كبار، في زمن خيم عليه التقليد و التعصب المذهبيين (فيما بين القرنين:5 - 8ه) فكسروا ذلك القيد و كانت لهم اجتهادات حرة جديرة بالتدبر و التقدير، منهم: أبو الوفاء بن عقيل البغدادي (ت 513ه)،و أبو الخطاب الكلوذاني البغدادي (ت510ه)،و عبد الرحمن بن الجوزي (ت597ه)،و الموفق بن قدامة المقدسي (ت620ه)،و تقي الدين بن تيمية (ت 728ه)، و تلميذه ابن قيم الجوزية (ت751ه).

و فيما يخص مواطن انتشار المذهب الحنبلي بالمشرق الإسلامي، فإن ابن خلدون قد ذكر أن أكثر المناطق التي يتواجد فيها هي في الشام و العراق، وهذا صحيح لكنه فاته أن يذكر مصر و القاهرة، فقد أصبح للحنابلة فيهما وجود بارز و مؤثر قبيل سقوط الدولة الفاطمية (سنة:567ه) و بعدها، حيث ازداد نفوذهم قوة و اتساعا خلال القرنين السابع و الثامن الهجريين،و بالأخص زمن شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية و تلاميذه؛ فأصبح لهم في تلك المدينتين مدارس و قضاء خاص بهم منذ القرن السابع الهجري (5).

و أما المواضع التي أغفل فيها ابن خلدون ذكر الحنابلة و كان موضوع البحث يستدعي ذكرهم فيه، فمنها أنه عندما تطرق لعلم أصول الفقه،و الخلاف،و الجدل و ما صنف في تلك العلوم من مصنفات؛ ذكر بعض مؤلفات الشافعية و الحنفية و المالكية و المعتزلة، و لم يذكر ما صنفه علماء الحنابلة في تلك العلوم و لم يشر إليهم أصلا (6)، رغم أنهم قد ألفوا فيها كتبا كثيرة، منها:منهاج الأصول في علم الأصول لعبد الرحمن بن الجوزي (ت597ه)، و الوافي في أصول الفقه لنجم الدين بن حمدان (ت 692ه) (7)، و المسوّدة في أصول الفقه لآل تيمية،و أعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الجوزية،و الخلاف الكبير لأبي الخطاب الكلوذاني (ت510ه)،و التبصرة في الخلاف للقاضي أبي خازم بن أبي يعلى الفراء (ت527ه) (8)،و كتاب الجدل لأبن عقيل البغدادي (ت513ه)،و كتاب تنبيه العاقل على تمويه الجدل الباطل لابن تيمية (9).

و تكرر نفس الأمر عندما تطرّق ابن خلدون لعلم الكلام، فقد ذكر بعض ما صنفه كبار علماء الأشعرية في ذلك العلم،و لم يذكر الحنابلة أصلا (10)؛ رغم أنهم قد صنفوا كتبا كثيرة في أصول الدين و علم الكلام، منها: المعتمد في أصول الدين،و إبطال التأويلات، للقاضي أبي يعلى الفراء (ت458ه).و كتاب الإرشاد في أصول الدين،و نفي التشبيه،و الانتصار لأهل الحديث (11). و كتاب تحريم النظر في كتب علم الكلام،و مناظرة في القرآن،و التبيان في بيان القرآن , و ذم التأويل، وهذه المصنفات كلها مطبوعة و هي للموفق بن قدامة المقدسي (ت 620ه).و أشهر مصنفاتهم في علم الكلام وأصول الدين ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية و تلميذه ابن القيم الجوزية، و قد امتازت مؤلفاتهما بالدقة و التحقيق، و بالإبداع و الشمولية؛ فللأول: درء تعارض النقل و العقل،و الرسالة التدمرية،و الواسطية،و الحموية،و منهاج السنة النبوية و غيرها كثير.و للثاني: الصواعق المرسلة على الجهمية و المعطلة،و اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو الجهمية و المعطلة.

لكن تلك الملاحظة لا تسري على ابن خلدون في كل أنواع العلوم الشرعية، فإنه عندما تطرّق لعلم الفرائض،و ذكر بعض ما صنفه المالكية و الشافعية في ذلك العلم، أشار إلى أن الحنابلة و الحنفية هم كذلك ألفوا في علم المواريث (12). دون أن يذكر لهم أية مصنفات كنماذج على ذلك.

و أشير في هذا المقام إلى أن ابن خلدون، كما أنه كثيرا ما اغفل ذكر الحنابلة ومذهبهم في مقدمته، فإنه أيضا قد اغفل ذكر كبار علمائهم فيها -ما عدا الإمام احمد-؛ فإنني لم اعثر فيها على أي ذكر من هؤلاء، كالقاضي أبي يعلى الفراء،و ابن عقيل،و ابن الجوزي، و الموفق بن قدامة المقدسي،و ابن تيمية، و ابن القيم الجوزية.

و يتبين مما تقدم ذكره أن ابن خلدون لم يوفق في تعليل ظاهرة قلة الحنابلة بالمشرق الإسلامي الوسيط،و أنه –أيضا- أغفل ذكرهم في مواضع من مقدمته. فما هي الأسباب التي أوقعته في ذلك؟ يبدو لي – و الله أعلم- أن أهمها ثلاثة أسباب، أولها أن معرفة ابن خلدون بالحنابلة ومذهبهم، كانت-على ما يظهر- معرفة ناقصة.و ثانيها أن نظرته للحنابلة كأقلية بين أكثرية شافعية و حنفية، قد تكون صرفته عنهم في النظر إليهم كطائفة فاعلة في المجتمع و مؤثرة فيه. و ثالثها الخلاف بينه وبينهم في قضايا الصفات، ربما يكون قد صرفه عن الاهتمام بهم؛ فهم كانوا على مذهب السلف في إثبات كل الصفات الإلهية بلا تأويل و لا تعطيل،و هو كان على مذهب الخلف من الأشعرية و الماتريدية، في إثبات بعض الصفات،و تأويل معظمها.

تم و لله الحمد

د. خالد كبير علال


الهوامش:

1 - مقدمة ابن خلدون، ص: 448.

2 - الموفق بن قدامة المقدسي: التبيان في بيان القرآن، مجلة البحوث الإسلامية، الرياض العدد:19 ص:280.و المقريزي: الخطط ج2 ص: 443.

3 - ابن كثير: البداية ج11ص:278.و بدر الدين الحنبلي: مختصر فتاوى ابن تيمية، ص: 614.

4 - ولي الله الدهلوي: الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف، ص: 105.

5 - المقريزي: المصدر السابق ج 2 ص: 374.و ابن رجب: الذيل على طبقات الحنابلة، ج2ص:294 - 295

6 - مقدمة ابن خلدون ص: 455، 456، 457، 458.

7 - ابن رجب: المصدر السابق ج2 ص: 331، 361.و محسن التركي: أصول مذهب الإمام احمد ص: 23.

8 - ابن رجب: نفس المصدر ج1 ص: 218، 221،و ج2 ص: 177.

9 - محمد بن عبد الهادي: العقود الدرية ص: 29.

10 - انظر المقدمة ص: 466 - 467.

11 - ابن رجب: المصدر السابق ج1 ص: 188،189.و عبد القادر أبو فارس:القاضي أبو يعلى الفراء ص:246.

12 - مقدمة ابن خلدون ص: 451، 485.

منقول من الرابط/
http://www.saaid.net/bahoth/82.htm

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير