تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

معهم من أولاد الناس وأهالي البلد الذين تزيوا بزيهم لزينة الموكب، وهم يصرخون ويستغيثون ومنهم مَن يقول: أنا لست جنديًا ولا مملوكًا، وآخر يقول: أنا لست من قبيلتهم، فلم يرقُّوا لصارخٍ ولا شاكٍ ولا مستغيثٍ، وتتبعوا المتشتتين والهربانين في نواحي القلعة وزواياها، والذين فروا ودخلوا في البيوت والاماكن، وقبضوا على مَن أُمسك حياًّ، ولم يمت من الرصاص، أو متخلفًا عن الموكب وجالسًا مع الكتخدا كأحمد بك الكيلارجي، ويحيى بك الألفي، وعلي كاشف الكبير، فسلبوا ثيابهم وجمعوهم إلى السجن تحت مجلس كتخدا بك، ثم أحضروا أيضًا المشاعلي لرمي اعناقهم في حوش الديوان واحدًا بعد واحد، من ضحوة النهار إلى أن مضى حصة من الليل في المشاعل حتى امتلأ الحوش من القتلى، ومَن مات مِن المشاهير المعروفين وانصرع في طريق القلعة قطعوا رأسه، وسحبوا جثته إلى باقي الجثث حتى أنهم ربطوا في رجلي شاهين بك ويديه حبالاً، وسحبوه على الأرض مثل الحمار الميت إلى حوش الديوان!!!

هذا ما حصل بالقلعة، وأما أسفل المدينة فإنه عندما أغلق باب القلعة، وسمع من بالرميلة صوت الرصاص وقعت الكرشة في الناس، وهرب من كان واقفًا بالرميلة من الأجناد في انتظار الموكب، وكذلك المتفرجون واتصلت الكرشة بأسواق المدينة فانزعجوا، وهرب مَن كان بالحوانيت لانتظار الفرجة، وأغلق الناس حوانيتهم وليس لاحد علم بما حصل، وظنوا ظنونًا وعندما تحقق العسكر حصول الواقعة وقتل الامراء انبثوا كالجراد المنتشر الى بيوت الامراء المصريين، ومَن جاورهم طالبين النهب والغنيمة، فولجوها بغتة ونهبوها نهبة ذريعًا، وهتكوا الحرائر والحريم، وسحبوا النساء والجواري والخوندات والستات، وسلبوا ما عليهن من الحلي والجواهر والثياب، واظهروا الكامن في نفوسهم، ولم يجدوا مانعًا ولا رادعًا، وبعضهم قبض على يد امراة لياخذ منها السوار فلم يتمكن من نزعها بسرعة، فقطع يد المراة، وحلَّ بالناس في بقية ذلك اليوم من الفزع والخوف، وتوقع المكروه ما لا يوصف لأن المماليك والأجناد تداخلوا، وسكنوا في جميع الحارات والنواحي، وكل أمير له دار كبيرة فيها عياله وأتباعه ومماليكه، وخيوله وجماله، وله دار وداران صغار في داخل العطف، ونواحي الازهر والمشهد الحسيني يوزعون فيها ما يخافون عليه لظنهم بُعْدَها وحمايتها بحرمة الخطة، وصونها عند وقوع الحوادث، وكثير من كبار العسكر مجاورون لهم في جميع النواحي، ويرمقون أحوالهم ويطلعون على أكثر حركاتهم وسكناتهم، ويتدخلون فيهم ويعاشرونهم ويسامرونهم بالليل، ويُظهرون لهم الصداقة والمحبة، وقلوبهم محشوة من الحقد عليهم والكراهة لهم، بل ولجميع أبناء العرب، فلما حصلت هذه الحادثة بادروا لتحصيل ما هو لهم، وأظهروا ما كان مخفيًا في صدورهم، وخصوصًا من التشفي في النساء فإن العظيم منهم كان إذا خطب أدنى امرأة ليتزوج بها فلا ترضى به، وتعافه وتأنف قُربه، وإنْ ألَحَّ عليها استجارت بِمَن يحميها منه، وإلاّ هرَبت من بيتها، واختفت شهورها وذلك بخلاف ما إذا خطبها أسفل شخص من جنس المماليك أجابته في الحال.

واصبح يوم السبت والنهب والقتل والقبض على المتوارين والمتخفين مستمر ويدل البعض على البعض، أو يغمز عليه، وركب الباشا في الضحوة، ونزل من القلعة وحوله امراؤه الكبار مشاة، وأمامه الصفاشية والجاويشية بزينتهم وملابسهم الفاخرة، والجميع مشاة ليس فيهم راكب سواه، وهم محدقون به وأمامه وخلفه عدة وافرة، والفرح والسرور بقتل المصريين ونهبهم والظفر بهم طافح من وجوههم ..

فكانت هذه الكائنة من أشنع الحوادث التي لم يتفق مثلها، ولم ينج الألفية إلا أحمد بك زوج عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير، فإنه كان غائبًا بناحية بوش، وأمين بك تسلَّق من القلعة وهرب من ناحية الشام، وعمر بك أيضًا الألفي كان مسافرًا في ذلك اليوم إلى الفيوم، فقتلوه هناك وبعثوا برأسه بعد خمسة أيام، ومعها نحو الخمسة عشر رأسًا، وأرسل دبوس أوغلى حاكم المنية خمسة وثلاثين رأسًا، وحضر من ناحية بحري غير ذلك كثير". تاريخ عجائب الآثار، الجبرتي، المجلد الثالث، ص: 319 ـ 327.

(38) الدولة العثمانية، د. علي محمد الصلابي، ص: 374 ـ 379.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير