تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ترون حبهم له معجزة، وأرى غير ذلك]

ـ[عبد العزيز عيد]ــــــــ[07 - 12 - 07, 08:09 ص]ـ

حبهم له صلى الله عليه وسلم

أصل الحب موافقة الحبيب لمن يحبه، إذ تجد دواعيه رضا في نفسه وراحة في قلبه، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توافرت عنده دواعي المحبة وأسبابها، فقد أحبه أصحابه حبا ضرب به المثل في التاريخ، حتى عد ذلك من معجزاته، بل قيل لو لم تكن له معجزة صلى الله عليه وسلم سوى حب أصحابه له لكفى، وعلى الرغم من ذلك " أي على الرغم من توافر هذه الدواعي وقيام الدلائل عليها " فقد جعل الله تعالى حبه فرضا على المسلمين وجعله درجة سامقة من درجات العبودية لا يكمل إيمان العابد إلا به، فقال صلى الله عليه وسلم " لن يكمل إيمان أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده ونفسه التي بين جنبيه ". فقال عمر بن الخطاب لأنت أحب إلى من مالي وولدي يا رسول الله إلا نفسي فقال " لا يا عمر إلا أن أكون أحب إليك من نفسك " فقال عمر " أنت أحب إلي من مالي وولدي ونفسي التي بين جنبي يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم " الآن يا عمر " (البخاري 6257)

وهنا لابد أن يعتمل في العقل سؤال هو:- إذا كانت أسباب الحب ومبرراته متوافرة لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أمر الله به؟ والجواب هو أن ذلك لسببين:

الأول: لاتباعه صلى الله عليه وسلم وعبودية الله سبحانه وتعالى على منهجه وطريقته دون أن يكون للهوى دخل في ذلك الإتباع وتلك العبودية. فذلك قوله تعالى " (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران 31، وما ذاك إلا لأن رسول الله هو الصورة المجسدة النابضة لأوامر الله تعالى ونواهيه وعبوديته سبحانه كما يحب وكما يريد أن يعبد به. فكان لابد أن تكون عبودية المسلمين لله تعالى على نمط هذه الصورة ومثلها بغير زيادة ولا نقصان، وعلى قدر إتقان المسلم لهذه الصورة تكون درجة العبودية، وما كان ذلك ليتحقق إلا بالحب الذي هو منشأه القلب، وهذا الوجه يشترك فيه المسلمون جميعا الأولون منهم والمتأخرون، ولكن يمتاز الأولون برؤية هذه الصورة، فأدوا مثلها فوصلوا إلى الدرجة الأعلى للعبودية. وامتاز الذين بعدهم بقرب عهدهم بعهده صلى الله عليه وسلم ورأوا من رأوه، فأدوا مثلما أدوا فوصلوا إلى الدرجة العالية من العبودية دون الأعلى، وهكذا قلت الدرجات كلما بعد العهد وكلما تطاولت القرون وبعدت الصورة،

إلا أن رحمة الله ورسوله تركتا للمسلمين ميراثا من العلم بالله سبحانه وتعالى، وبه صلى الله عليه وسلم يتوارثونه جيلا بعد جيل وقرونا تعقبها قرون، وبهذا العلم تبقى صورته صلى الله عليه وسلم مجسدة في عقول البشر وأذهانهم مهما بعد بهم الزمن ومهما اختلفت الألسن والألوان. وكل ذلك منشأه الحب. بل يتفاوت الثواب والعقاب بهذا القدر من البعد والاختلاف، حيث يزيد الثواب لمن اتبعوه حق الإتباع ولم يروه عمن رأوه واتبعوه، حتى أنه صلى الله عليه وسلم وصف قوما لم يروه بأنهم أحبابه، وعمل الواحد منهم يعدل عمل خمسين من الصحابة، فقال " إن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل قبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله وزاد بعضهم أجر خمسين منكم (بن حبان 385)

الثاني: حبه لذاته صلى الله عليه وسلم ولشخصه، وذلك بغرض حمايته والذود عنه وفداءه بالأب والأم والروح والمال وبكل عزيز وغال وتفضيله وإيثاره على ما سواه، وهذا النوع من الحب هو أحد الأسباب التي اتخذها الله سبحانه وتعالى حماية لنبيه وعصمته حتى يتمكن من أداء رسالته ووصول دينه إلى العالمين، لما تتصف به هذه الرسالة من الكمال والشمول والعموم والخلود، وهذا هو الوجه الإعجازي الذي اندهش له الناس قديما وحديثا، وهو وجه اختص به الصحابة الأوائل فقط ممن رأوا رسول الله وعاشوا معه، وحاربوا وخاضوا معه سنوات الكفاح والجهاد والسراء والضراء حتى مكن الله لهم دينهم الذي ارتضى، وبقي هذا الحب مستقرا ومستودعا في قلوبهم وأفئدتهم يعلمونه لخلفهم وعقبهم، حتى انتشر دين الله وبلغ ما بلغ،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير