تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما المتأخرون من بعدهم فإنهم وإن كان حبهم لرسول الله قاصر على التبعية، والتبعية هي الدليل على حبهم، بما في ذلك من أمنيات تخالج قلوبهم، ووجل تخشع له جوارحهم كلما ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم، فترق له الأفئدة وتهفو إليه الأرواح وتشتاق إليه النفوس إلا أن ذلك لا يمنع الفداء والإيثار والتضحية إذا وجب الأمر حتى وإن زالت العلة الموجبة لذلك وهي موته صلى الله عليه وسلم، لذا يقول القاضي عياض في الشفاء " فالقيام بحق النبي واجب ذبا عن مقام النبوة وعظيم منزلتها وحماية عرضه الشريف صلى الله عليه وسلم لا يتهاون في ذلك مسلم , لأن حمايته ونصرته عما يؤديه حيا أو ميتا واجب على كل مؤمن , ولكن إذا قام بهذا المطلوب من الحماية والذب عنه من ظهر به الحق بقدرته على إجراء حكمه وفصلت به القضية وبان به الأمر وأقيم عليه ما يستوجبه سقط عن بقية الناس الفرض الذي وجب عليهم لأنه فرض كفاية لا فرض عين , وبقي الاستحباب في تكثير الشهادة على من صدر منه مثل ما صدر والتحذير منه. واستدل القائلون بذلك ببيان حال المتهم بالكذب في الحديث النبوي، فالاعتناء بذاته الشريفة أوجب منه بحديثه صلى الله عليه وسلم .. " وذلك إلى الحد الذي قال به أبو عبيد القاسم بن سلام نقلا عن بن حجر: من حفظ شطر بيت ممن هجى به النبي صلى الله عليه وسلم فهو كفر إن رضي بذلك أو استحسنه , بل وحرم كتابة ما هجي به النبي صلى الله عليه وسلم وقراءته وحده أو مع غيره وحرم تركه دون محو أو إزالة بحرق أو نحوه، لذا فقد أسقط السلف الأوائل من أحاديث المغازي والسير من هذا سبيله وتركوا روايته صونا لألسنتهم من النطق بمثله وكتابته إلا أشياء ذكروها يسيرة وغير مستبشعة.

حبه صلى الله عليه وسلم لهم

ولكن: إن يكن حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجز ومبهر في ذاته رغم كونه فرض وواجب عليهم وعلى كل مسلم ومسلمة، فأن الأمر الأعظم إعجازا هو حبه صلى الله عليه وسلم لهم. لأن اجتماع الناس مهما قلوا أو كثروا على حب شخص واحد أمر مقبول ومتصور، خاصة إذا كان هذا الشخص هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أن يحب شخص واحد كل هذه الجموع على كثرتها حتى يظن الواحد منهم أنه المفضل والأثير لديه. فهذا هو العجيب وهذا هو المبهر حقا. ولقد أحب رسول الله صحابته حبا عادلا يصعب معه تحديد المفضل عنده دون الأخر، حتى روي عن عمرو بن العاص أنه سأل

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحب الناس إليه – طمعا أن يكون هو أحبهم إليه – فقال له صلى الله عليه وسلم عائشة. وكأنه كان يعلم عليه الصلاة والسلام ما يدور في خلجات عمرو – بل كان يعلم ذلك يقينا – فلم يشأ أن يفاجئه فيسبب له حرجا فاختار حبيبته عائشة – وهي فعلا الأحب إلى قلبه صلى الله عليه وسلم -و لأن ذلك لن يكون محل توقف عند عمرو بن العاص. إلا أن عمرو بن العاص حدد مقصده من السؤال ف قال من الرجال؟ فلم يكن أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يجيب فقال أبوها (الترمزي 3821). فطمع عمرو أن يكون هو التالي فساله ثم من؟ قال صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب. عندئذ أحجم عمرو استحياءا وخجلا ورهبة من أن يكون هو آخر من يحبهم صلى الله عليه وسلم. والذي لا شك فيه أن سؤال عمرو إنما نبع من تصور استقر في فؤاده وهو أنه هو المحبب والمفضل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وماذاك إلا لأن النبي لم يكن يفرق بين صحابته في مجلسه وكان يعدل بينهم حتى في النظر إليهم.

ولأن الدليل على صحة ما نقول لا ينتهي القول فيه فحسبنا الإشارة إلى بعض أقواله التي قالها صلى الله عليه وسلم لبعض صحابته وعنهم، بما يمكن معه الاستدلال على مدى اتساع قلبه وحبه لهم

بعض قوله عنهم جميعا

- عن أنس قال أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم الصبيان والنساء مقبلين - من عرس – (شك الراوي) فقام النبي صلى الله عليه وسلم ممثلا فقال اللهم أنتم من أحب الناس إلي (يعني الأنصار)

- عن عبد الله بن مغفل المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل ومن آذى الله يوشك أن يأخذه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير