تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد اهتم المفتي بتنبيه إخوانه الفلسطينيين من الأخطار التي ستحل بالعرب، ومقدساتهم في زمن الانتداب، ولكنه لاحظ ان الفلسطينيين لا يستطيعون وحدهم مقاومة السياسة الاستعمارية البريطانية، لأنهم لا يملكون وسائل المقاومة الكافية، لذلك استغل المفتي وظيفته الدينية في توسيع الكفاح ضد الخطر الصهيوني، وضد السياسية البريطانية، فوسع نشاطه في جميع الدول الإسلامية التي كانت تحت السيطرة البريطانية، وخصوصا أنه عمل على تقوية روابط الصداقة مع قادة مسلمي الهند لكي يستطيعوا التأثير على الإنجليز (2) فكان المفتي يناشد قادة مسلمي الهند الدعم والعون من أجل الحفاظ على المقدسات الإسلامية في القدس، وكان يقول لهم إنه لن يتم ذلك إلا بتغيير السياسة البريطانية في فلسطين لدفع الخطر الصهيوني.

وهناك ملاحظة هامة واردة في الفكر الإسلامي، وبها لا يستطيع المسلم الفصل بين الدين، والسياسة، أو بين الدين، والدولة، وهما يعتبران متكاملين. وهذا يختف عن المسيحية التي تفصل الكنيسة عن الدولة، لذلك فانه يبدو للمرء أن المفتي بوصفه، مفتي القدس، ورئيس المجلس الإسلامي، أنه يختص بالنواحي الدينية الإسلامية فقط. ولكن في الحقيقة أن الحاج أمين الحسيني لعب دورا دينيا، وسياسيا في تاريخ فلسطين في آن واحد.

[ line]

ولم يلمع اسم الحاج أمين في تاريخ فلسطين كخطيب، أو ككاتب، بل لمع نجمه كحام للديار المقدسة، وقد صور هذا: الهتاف الشعبي الذي كان شائعا بقول: «سيف الدين الحاج أمين» وزادت شهرته كلما ازداد نشاطه للحفاظ على الأماكن المقدسة في القدس (3).

وكان الحاج أمين قوي الشخصية، يؤثر في سامعيه، هادئا في التعبير عن أفكاره، استولت قضية وطنه على عواطفه وعقله، فهي شغله الشاغل، ووصفه الإنجليز بأنه رجل يشعر المرء بالراحة عند التكلم معه، ولكنه بطيء الكلام، حذر جدا عند التعبير عن رأيه، وقد جاء في التقرير السري الذي أعد لوزارة المستعمرات البريطانية، إن المفتي هو قائد سلم مخلص لوطنه، وللحركة الإسلامية (4).

وقال جان مارلو الذي عرف المفتي جيدا: «إن المفتي هو الشخصية الوحيدة التي سيطرت على فلسطين ما بين الحربين العالميتين، إنه رجل قوي، طموح، قاسي القلب، فكاهي، عفيف النفس» (5).

- أما عائلته فوصفته بأنه رجل متدين، لم يكن عنده وقت لتسلية النفس، كل وقته عمل، كان يسهر حتى منتصف الليل، كل يوم يعمل لأجل وطنه فلسطين، كريم النفس، دائما يحفظ السر لنفسه، لا يطلع عليه أحدا حتى عائلته» (6).

- ورزق الحاج أمين ولدا اسمه صلاح الدين وهو الاسم نفسه للبطل صلاح الدين الأيوبي الذي انتصر على الصليبيين في معركة حطين عام1187م، وحرر القدس. ورزق بنات ستة هن: زينب، وسعاد، وأسماء، ونفيسة، وجهاد، وأمينة (7).

- وقال عنه بعض المؤرخين الأجانب، والعرب: إنه كان قد أوقف نشاطه السياسي ما بين عام 1921 ـ 1929م لأسباب مختلفة، وقد وصف دروزة هذه الفترة المذكورة من نشاط الحركة الوطنية الفلسطينية «بالوطنية الخنثى».

وعلى الرغم من أن الاجانب وبعض المؤرخين العرب قالوا: إن المفتي لم يكن نشيطا سياسيا في فترة 1921 ـ 1929م، إلا أنهم فشلوا، أو تناسوا، وصف نشاطه الديني الذي لعبه في هذه الفترة. لذلك يجدر بالباحث أن يكشف بتوسع هذه الفترة الزمنية لكي يملأ الفراغ الذي تناساه الأجانب، والمؤرخون العرب، فيصف الذي قام به الحاج أمين الحسيني دينيا لمصلحة فلسطين.

وتعتبر القدس مدينة مقدسة لدى أتباع الأديان الثلاث: الإسلام، والمسيحية، واليودية. فالمسلمون يقدسونها بسبب وجود المسجد الأقصى، والصخرة المشرفة، التي عرج منها النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى السماء. وقصة الإسراء والمعراج معروفة لدى المسلمين ومذكورة في القرآن الكريم، قال الله تعالى «سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا، إنه هو السميع البصير» (8).

وقد جاء في حديث النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن قدسية المسجد الأقصى «لا تشد الرحال إلا الى ثلاث: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» وإن قدسية المسجد الأقصى هي في قلوب شعوب المسلمين جميعا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير