ولقد كانت لسماحة المفتي الحسيني موقفاً مشرفاً من المسلمين البوشناق في يوغسلافيا الذين تعرضوا للفتك على أيدي الصرب حتى أنه سافر يوم 24/ 3/1943م إلى زغرب للتدخل في رفع الظلم عن مسلمي البوسنة والهرسك وسنجق حيث شكل منهم جيشاً من الشبان للدفاع عن أنفسهم وبعد عودته من (بوسنة سراي) كتب رسالة إلى مصطفى النحاس رئيس الوزارة المصرية آنذاك وصف له حالة المسلمين في البوسنة والهرسك ورجاه أن يعمل ما في وسعه لمساعدتهم.
وفي أخوار سنة 1943م اشتدت غارات طائرات الحلفاء على ألمانيا فكانت بعض الغارات تهاجم برلين بألف طائرة أو أكثر , وقد أصيب الدار التي كان سماحة المفتي يسكنها ورفاقه عدة مرات فخرجوا من برلين إلى مناطق متعددة وقد استشهد رفيقه الدكتور مصطفى الوكيل وهو مصري ومن المقربين إليه وأكبر أعوانه , ويعمل في المعهد الإسلامي ببرلين الذي استشهد فيه إثر غارة جوية.
وفي يوم 5/ 5/1945م أُخرج المفتي وإخوانه إلى سويسرا ومنها إلى فرنسا حيث اعتقلهم الجيش الفرنسي يوم 19/ 5/1945م وقد طالب السفير البريطاني والسفير الأمريكي بتسليم المفتي لمحاكمته كما كان اليهود يصرون على محاكمة المفتي كمجرم حرب في محكمة (نورمبرج) وعندها انتقل من فرنسا إلى مصر متنكراً بمعاونة معروف الدواليبي واستقر فيها
وكان ذلك في 29/ 5/1946م.
ويروى المفتي تفاصيل فراره من فرنسا فيقول: (( .. إن الدور الأول والجانب الأهم في تلك المغامرة قد قام به الصديق الكريم الدكتور معروف الدواليبي , فقد شاء له خلقه الكريم أن يعطيني جواز سفره .. واقتضى هذا تبديل الصورة وتغيير اللباس وحجز مكان ما في طائرة مسافرة من باريس إلى القاهرة وكان ركاب الطائرة خليطا من مدنيين وعسكريين .. ولم يحدث عائق في مطار (أورلي) الذي قامت منه الطائرة من باريس إلى روما , وفي روما فحص المختصون جوازات سفر الركاب .. وكان الجو رديئاً فقضينا الليل في أحد الفنادق , وفي الصباح التالي استأنفنا السفر إلى ميناء (بيريه) في اليونان حيث هبطت الطائرة للتزود بالوقود ومنها استأنفنا السفر إلى القاهرة ولحسن الحظ لم يكن من يعرفني بين ركاب الطائرة في مطار (بنفليد) الذي أصبح الآن مطار القاهرة الدولي , ولما تم فحص جوازات الركاب وخرجت من المطار وتنفست الصعداء وحمدت الله على السلامة وردت قول البوصيري:
عناية الله أغنت عن مضاعفة
من الدروع وعن عالم من الأطم
ولم أشاء الركوب بالسيارة المعدة للركاب وآثرت سيارة أجرة عادية فنقلتني إلى فندق (مترو بوليتان) بالقاهرة .. )).
وقد تشكلت (الهيئة العربية العليا لفلسطين) بموافقة مجلس الجامعة العربية واُختير المفتي رئيساً لها. وسارع المفتي وإخوانه بشراء السلاح وتنظيم قوات الجهاد وكان شهيد يوسف طلعت والقائم مكان رشاد منها , وعبد القادر الحسيني , وعبد الرحمن على يقومون بالشراء وإدخال السلاح إلى فلسطين عبر سيناء حيث يتم تخزين السلاح بفلسطين ببلدة (صوريف) وبلدة (بير زيت) وأعاد المفتي تنظيم جيش الجهاد المقدس وأسند قيادته إلى عبد القادر الحسيني , كما أنشأ المفتي منظمة الشباب الفلسطيني التي انصهرت فيها منظمات الفتوة و النجادة والجوالة والكشافة وأسند قيادته للمجاهد الصاغ محمود لبيب وكيل الإخوان المسلمين لشؤون الجوالة , وكلفه بمهمة تدريب الشباب على القتال.
وحين صدر قرار التقسيم يوم 29/ 11/1947م أُعلن الإضراب العام في جميع أنحاء فلسطين واشتعل القتال بين العرب واليهود وكان من رأى سماحة المفتي عدم دخول الجيوش العربية إلى فلسطين مهمة مناجزة اليهود والاكتفاء بإمدادهم بالسلاح والأموال.
يقول المؤرخ الفلسطيني الكبير عارف العارف في كتابه (نكبه بيت المقدس): إن الإمام الشهيد حسن البنا أبرق إلى مجلس الجامعة العربية في يوم 9/ 11/1947م يقول أنه على استعداد لأن يبعث كدفعة أولى عشرة آلاف مجاهد من الإخوان المسلمين إلى فلسطين وأن الإخوان ألحوا على الحكومة المصرية بالسماح لهم بالذهاب فرفضت , لكنهم لم ييأسوا وقاموا بمظاهرة صاخبة من الأزهر الشريف يوم 12/ 12/1947م قادها المرشد العام الإمام الشهيد حسن البنا بنفسه وهم يطالبون بالجهاد. وتحت ستار القيام برحلة عملية استطاع فريق من الإخوان المسلمين أن يجتاز الترعة إلى سيناء , ومن هناك راحوا يتسللون إلى فلسطين
¥