منذ شباط (فبراير) 1948م , وتراجعت الحكومة المصرية عن موقفها فسمحت للإخوان المسلمين بالتدريب وفي مصر وسوريا تدرب الأخوان المسلمون ومن هذين البلدين انطلقت عدة كتائب لهم إلى فلسطين بشكل رسمي وقد قاتلت كتائبهم ببسالة وصمود , وبقى قسم منها مرابطاً في القطاع الجنوبي في القدس حتى إعلان الهدنة فسلم الإخوان مواقعهم إلى الجيش الأردني.
وإن الدور البطولي والجاد الذي قام به الإخوان المسلمون في المعركة هو الذي جعل لهم دوراً خاصاً ومميزاً في النضال الفلسطيني , خاصة أن الأخوان المسلمين قد أرسلوا على رأس الكتائب المقاتلة بعضاً من قادتهم , فجاءت سرية من سوريا وعلى رأسهم الشيخ مصطفى السباعي ومن مصر جاءوا بقيادة الشيخ محمد فرغلي .. ).
ونشبت الحرب العالمية مع اليهود 1947_ 1948م فقام بتأليف (جيش الجهاد المقدسي) بقيادة الشهيد عبد القادر الحسيني , وتوقفت الحرب بتدخل الدول الأجنبية , وبعد الانقلاب العسكري بقيادة عبد الناصر سنة 1952م اضطر سماحة المفتي للرحيل عن مصر سنة 1959م بعد أن بدأت المضايقات تشتد عليه من الحكومة العسكرية والصحافة الرسمية المصرية حيث لاحت في الأفق بوادر الحل السلمي لقضية فلسطين على يد عبد الناصر. ويرى المفتي بنفسه هذه المفاجأة فيقول: ((لقد وصلتني رسالة من هيئة الأمم المتحدة تخبرني أن هامر شولد يعد مشروعاً لحل قضية فلسطين , وأنه اتفق مع عبد الناصر على خطوطه الكبرى وأن الرئيس المصري قد وافق عليه .. فلم أُصدق.
بعد رسالة سرية إلى الدكتور محمد الفرا _ وكان يومها موظفاً في هيئة الأمم المتحدة وليس رئيساً لوفد الأردن _ فجاءني الجواب بصحة النبأ , وأضاف عليه بأن هامر شولد قد اتفق مع عبد الناصر على حل هذه القضية خلال عشر سنوات مقابل ثلاثة ألاف مليون دولار تأخذ منها مصر ألف مليون دولار , وتأخذ سوريا مثلها , ويوزع الباقي على لبنان والأردن.
وكان هذا المبلغ بمثابة رشوة للدول العربية المضيفة للفلسطينيين وفجأة وبدون سابق إنذار هبت الصحف المصرية الخاضعة لإشراف الحكومة تشن حملة قاسية ضد الهيئة العربية العليا ورجالها وانصبت الاتهامات على رؤوس العاملين في حقل القضية الفلسطينية .. بعثنا بردودنا فلم تنشر .. حاولنا الاتصال برجال الحكومة المصرية لمناقشتهم فرفضوا مقابلتنا , وإذا بمجلة روز اليوسف تشن علي حملة ظالمة لم تعرفها الصحافة المصرية الأخرى فتجاهلته , فتشنا على محامى لإقامة الدعوى على هذه الصحيفة المتجنية فلم يتجرأ أحد على الدخول في دعوى تقام ضد جريدة الثورة المقربة من السلطات ...
وفي إحدى الليالي فوجئت بشاب متزن يطلب مقابلتي وهو من أبرز المحامين المصريين _ وأمسك عن ذكر اسمه _ فقال لي: (أنا على استعداد لأن أقيم الدعوى على مجلة روز اليوسف ولكنني أؤكد لك أنك لن تجد قاضياً واحداً في مصر لديه الجرأة بأن يحكم ضدها , والأفضل أن تكتبوا للرئيس جمال عبد الناصر مثنى وثلاث ورباع فلم أحظى بأي رد , وكان الجو في القاهرة حاراً , ولم يعد لوجودنا أي معنى طالما أننا نُشتم ونُهاجم ولا نستطيع الرد , عندها قررت أن أذهب إلى دمشق وكان ذلك يوم 15/ 9/1959م وأثناء مروري ببيروت رأيت من الأنسب أقضي فصل الصيف في سوق الغرب , وما أن علمت الصحافة اللبنانية بوصولي حتى انطلقت الصحف الحيادية بالدفاع عن القضية الفلسطينية وكشف النقاب عن أسباب هذه الحملة وعلاقتها بمشروع هامر شولد والثلاثة آلاف مليون دولار المختبئة في مشروعه المعروف ولقناعتي بأنني لا استطيع عمل شئ بمصر هو الذي دفعني لمغادرتها والإقامة في لبنان)).
من أقوال سماحة المفتي: ((إن الحل المنشود للقضية الفلسطينية لا يتحقق بالتنازلات والمناقصات والتفريط في الحقوق الوطنية تفريطاً يقضي على كل أمل للشعب الفلسطيني في الحياة الكريمة , وليس في مجال لقضية لفلسطينية أي مكان لتعايش سلمي مع أعدائنا الذين نعلم حق العلم أهم لا يريدون تعايشاً مع أحد و لكنهم يريدون التوسع على حساب أمتنا وسلامتنا ومستقبل أجيالنا والمضي في سلب كل شئ , معتقدين أن بلادنا كلها هي لهم , بل العالم كله لهم!؟ وهذا الاعتقاد اليهودي ثابت وقد عرفه كل من درس تاريخ اليهود وكتبهم وعرف ماضيهم وحاضرهم وهم يخادعوننا لكسب الوقت الذي يستطيعون فيه تنفيذ مخططاتهم الرهيبة)) _مجلة
¥