تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من بغداد وما خلفت بها أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم من أحمد بن حنبل. وقال أيضا: أحمد بن حنبل إمام في ثمان مسائل إمام في الحديث وإمام في الفقه وإمام في اللغة وإمام في القرآن وإمام في الزهد وإمام في الفقر و إمام في الورع وإمام في السنة.

تسأل عن صفة أحمد؟! كان بشرا من البشر، في غاية التواضع. وكان حسن الصورة حسن الوجه، ربعة بين الرجال ليس بالطويل ولا بالقصير وهو إلى الطول أميل , يخضب بالحناء وفي لحيته شعرات سود بعد كبره. كان أسمر شديد السمرة، غليظ الثياب، إلا أن ثيابه كانت بيضاء شديدة البياض.

قال العباس النحوي: رأيت الإمام أحمد وهو معتم وعليه إزار. يا سبحان الله! كم ببغداد من رجل عليه عمامة وعليه إزار؟! مائة ألف أو خمسمائة ألف أو ربما أكثر , لكن هذا الرجل ينقل لنا صورة رآها. لماذا؟ لأن الله كتب لأحمد الخلود في الدنيا فصار الناس يذكرون حتى أدق التفاصيل عن حياته , حتى لقد نقل الناس عنه حتى الصمت!! "سئل أحمد عن كذا فسكت" , "سئل عن كذا فهز رأسه" , "سئل عن فلان فأشاح بوجه" , كل هذا ينقل عن أحمد وهناك غيره من أهل العلم من نُسيت كتبهم ودرست معالمهم ولم يعد الناس يذكرونهم بشيء لأن الله تعالى لم يكتب لهم الخلود في هذه الدنيا فانقطع أثرهم وذكرهم. أما أحمد فقد كتب الله له الخلود لا لأنه من بني ذهل بن شيبان، ولا لأنه من العرب، ولا لأنه عاش في بغداد، ولا لأنه اقترب من السلطان، ولا لأنه ملك الأموال، ولكن لأنه قام بأمر الله عز وجل في وقت عز فيه القائمون بأمر الله تعالى.

كان الإمام أحمد مهيبا إذا رآه الإنسان هابه وامتنع عن كثير مما يريد أن يقول، حتى إن يزيد بن هارون كان إماما عالما محدثا صاحب نكته ودعابة فربما مزح فضحك الطلاب، فلما علم بعد ذلك أن أحمد كان في مجلسه قال ألا أخبرتموني أن أحمد كان بيننا وغضب عليهم. وفي إحدى المرات قال كلمة فضحك الطلاب فتنحنح الإمام أحمد فلما نظر إليه خجل منه واستحى. قال عبدالملك الميموني عن الإمام أحمد: ما رأيت أنظف بدنا ولا أشد تعاهدا لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه ولا أنقى ثوبا بشدة بياض من أحمد بن حنبل , ولم يكن في ثيابه رقه تنكر ولا غلظة تنكر، كان يحب التوسيط في الملابس وفي الحذاء وفي غيرها، لا يحب ملابس العظماء والمستكبرين والأغنياء والأثرياء والمترفين، وأيضا كان يبتعد عن الملابس التي يتميز بها الصوفية أو المتظاهرين بالزهد والفقر والورع، لأنه لا يحب أن يتظاهر بشي من ذلك كما سوف يأتي بعد قليل.

مات الإمام أحمد سنه 241هـ وكان عمره سبع وسبعين سنة.

هذا الكلام قد يقال عند كل إنسان فما من عالم إلا وقد يقال عنه مثل هذا، لكن الشأن فيما بقى من سيرة الإمام أحمد رحمه الله.

لا يذكر الإمام أحمد إلا وتذكر معه الفتنه التي لقيها!!

قال علي بن المديني: "ما قام أحد في الإسلام بمثل ما قام به أحمد بن حنبل". قال الميموني - وكان حاضرا -: تعجبت من قول علي بن المدينى هذا عجبا شديدا وقلت له أبو بكر رضي الله عنه قام بما قام به وجاهد في الله وصبر وصابر وحارب المرتدين فكيف يقول علي بن المديني ما قام أحد في الإسلام بمثل ما قام به أحمد بن حنبل! قال الميموني: فلقيت أبا عبيد القاسم بن سلام فقلت له ذلك، فقال: إذا يخصمك علي بن المدينى، قلت: بأي شي هذا. قال: إن أبا بكر رضي الله عنه قد وجد على الحق أنصاراً وأعوانا , أما الإمام أحمد فإنه لم يجد على الحق ناصرا ولا معينا. ثم أقبل أبو عبيد يطري الإمام أحمد ويثني عليه ويقول لست أعلم في الإسلام مثله .. نعم , لم يكن أحمد بن حنبل في وقته إلا إماما فريدا قام بأمر ما قام به غيره، ولا يعني هذا نسيان فضيلة أبي بكر رضى الله في محاربة المرتدين وفي جهادهم وفي الصبر وفي إحياء الدين يوم كاد أن يندرس في جزيرة العرب. وإنما كان الإمام أحمد على منوال أبي بكر ينسج وبهديه يهتدي. وقال بشر بن الحارث وقد سئل عن الإمام أحمد بن حنبل فقال: أنا أسأل عن الإمام أحمد؟! إن أحمد بن حنبل أُدخل في الكير فخرج ذهبا أحمر، أُدخل في المحنة، أُحرق بالنار فصبر وصابر حتى خرج ذهبا خالصا نقيا وزال منه كل غش فيه لعشرين سنة. وقال عبد الوهاب الوراق: عشرين سنة والإمام أحمد يتقلب في نيران

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير