والثالثة: ارتداد أديب,, قال ابن سعيد عن الفقيه أبي القاسم ابن الخياط من المسهب: أقام خمسين سنة على العفاف والخير,, لا تعرف له زلة، فلما أخذ النصارى طليطلة حلق وسط رأسه، وشدَّ الزنَّار، فقال له أحد أصحابه في ذلك، وقال له: أين عقلك؟! ,, فقال: ما فعلت هذا إلا بعد ما كمل عقلي,, وقال شعراً منه:
تلوَّنَ كالحرباء حقَّ تلوُّن
وأبصر دنياه بملء جفونه
وكلٌّ إلى الرحمن يومي بوجهه
ويذكره في جهره ويقينهِ
ولو أن دِيناً كان نفياً لخالقي
لما كنت يوماً داخلاً في فنونه.
وذكر ابن اليسع له رسالة عن إذفونش ملك النصارى إلى المعتمد بن عباد بالإرهاب (8).
قال أبو عبدالرحمن: واغوثاه! ,, ونسأل الله العفو عما سلف والعصمة فيما بقي، ونعوذ بوجهه الكريم ان نكون شامتين بأحد.
وقال الإدريسي: ومدينة طليطلة كانت في أيام الروم مدينة الملك، ومداراً لولاتها، وبها وجدت مائدة سليمان بن داوود عليه السلام مع جملة ذخائر يطول ذكرها,, وما خلف الجبل المسمى بالشارات في جهة الجنوب يسمى أشبانية، وما خلف الجبل من جهة الشمال يسمى قشتالة,, ومدينة طليلطة في وقتنا هذا يسكنها سلطان الروم القشتاليين (9)
وقال: ومدينة طليطلة من طلبيرة شرقاً، وهي مدينة عظيمة القطر، كثيرة البشر، حصينة الذات,, لها أسوار حسنة، لها قصبة فيها حصانة ومنعة, وهي أزلية من بناء العمالقة,, وقليلاً ما رؤي مثلها إتقاناً وشماخة بنيان، وهي عالية الذرى، حسنة البقعة، زاهية الرقعة، وهي على ضفة النهر الكبير المسمى تاجه، ولها قنطرة من عجيب البنيان، وهي قوس واحدة، والنهر يدخل تحت تلك القوس كله بعنف وشدة جري، ومع آخر القنطرة ناعورة ارتفاعها في الجو تسعين ذراعاً، وهي تُصعد الماء إلى أعلى القنطرة والماء يجري على ظهرها، فيدخل المدينة,, ومدينة طليطلة كانت في أيام الروم دار مملكتهم، وموضع قصدهم,, ووجد اهل الإسلام فيها عند افتتاح الأندلس ذخائر تكاد تفوت الوصف كثرة، فمنها أنه وجد بها مئة وسبعون تاجاً من الذهب مرصعة بالدر وأصناف الحجارة الثمينة، ووجد بها ألف سيف مجوهر ملكي، ووجد بها من الدر والياقوت أكيال وأوساق، ووجد بها من أنواع آنية الذهب والفضة ما لا يحيط به تحصيل، ووجد بها مائدة سليمان بن داوود,, وكانت فيما ذكر من زمردة,, وهذه المائدة في مدينة رومة,, لمدينة طليطلة بساتين محدقة بها، وأنهار مخترقة، ودواليب دائرة، وجنات يانعة، وفواكه عديمة المثال لا يحيط بها تكييف ولا تحصيل، ولها من جميع جهاتها أقاليم رفيعة وقلاع منيعة,) (10)
قال أبو عبدالرحمن: جرى العرب على نسبة كل قديم إلى عاد، ونسبة كل أمر باهر إلى تركة سليمان عليه السلام وملكه، فقد بهرهم ما وجدوه بالأندلس من تحف فنسبوه إلى سليمان,, وعودة بعض هذه التحف إلى روما باسم مائدة سليمان من الأساطير,, ثم ما دخل روما ولهذا الإقليم ملك نصراني مستقل؟!.
وقال الإدريسي عن النهر الذي تقع عليه طليطلة: ونهر تاجة المذكور يخرج من ناحية الجبال المتصلة بالقلعة والفنت، فينزل ماراً مع المغرب إلى مدينة طليطلة، ثم إلى طلبيرة، ثم إلى المخاضة، ثم إلى القنطرة، ثم إلى قنيطرة محمود، ثم إلى مدينة شنترين، ثم إلى لشبونة، فيصب هناك في البحر, (11)
وقال القزويني عن كسوة الكعبة ومن كساها: ثم الوليد بن عبدالملك زاد في حُلى البيت لما فتح بلاد الأندلس، فوجد بطليلطة مائدة سليمان عليه السلام,, كانت من ذهب ولها أطواق من الياقوت والزبرجد، فضرب منها حُلى الكعبة والميزاب (12)
قال أبو عبدالرحمن: لعل هذه أسطورة ثانية، وهي تنافي الأولى عن نقل المائدة إلى روما!.
وقال: طُلَيطُلة مدينة كبيرة بالأندلس من أجل مدنها قدراً، وأكثرها خيراً,, تسمّى مدينة الملوك,, ومن طيب تربتها، ولطافة هوائها تبقى الغلات في مطاميرها (13) سبعين سنة لا تتغّير,, وبها القنطرة العجيبة التي وصفها الواصفون أنّها قوس واحد من أحد طرفي الوادي إلى الطرف الآخر,, لم يرَ على وجه الأرض قوس قنطرة أعظم منها إلا قنطرة صور,, قال محمد بن عبدالرحيم الغرناطي: بقرب طليطلة نهر عظيم بنت الجن على ذلك قنطرة من الصخر عالية من الجبل إلى الجبل كأنها قوس قزح,, كلّ صخرة منها مثل بيت كبير، وقد شُدَّت تلك الحجارة بجذوع من حديد، وأذيب عليه الرصاص الأسود، وهي أزج (14) واحد يتعجب الناظرون منها
¥