تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما هو معلوم أن المحدثين يعتبرون مخالفة القرآن والسنة المتواترة وغيرها من الأخبار المتفق على صحتها في نقد الروايات والكلام في الرواة (انظر الرسالة للشافعي (399) الأنوار الكاشفة للمعلمي (6 - 7و189) ومقدمة الفوائد المجموعة). بل هم يعتبرون إجماع الصحابة والعمل في نقدها، وهذا أمر لا غبار عليه، قال ابن رجب في شرح العلل (236):" ومن جملة الغرائب المنكرة: ما هو شاذ المتن كالأحاديث التي صحت الأحاديث بخلافها أو أجمعت أئمة العلماء على القول بغيرها". والأمثلة على هذا كثيرة أذكر منها واحدا لا إشكال في رده ولا شبهة، وهو حديث عمار في المسح إلى المناكب والآباط في التيمم، إذ من أسانيده ما ظاهره الصحة. قال ابن رجب:" هذا حديث منكر لم يزل العلماء ينكرونه وقد أنكره الزهري وقال: (هو لا يعتبر به الناس)، وعن ابن عيينة أنه امتنع أن يحدث به وقال: (ليس عليه العمل) ". انظر فتح الباري لابن رجب (2/ 252). ومن الأمثلة أيضا رد البخاري وابن المديني لحديث:"خلق الله التربة يوم السبت .. الحديث " الذي فيه بيان الخلق في سبعة أيام، لمعارضته للقرآن للقرآن الذي ينص على أن الخلق كان في ستى أيام –ومسلم لم يلتفت لذلك فصححه-.

وأما المسألة المترجمة في كتب الأصول بحجية خبر الواحد في القطعيات فهي مسألة أخرى غير مسألة معارضته للقرآن، ومقصود أصحاب هذه الترجمة البحث في حجية خبر الواحد في العقائد لأنهم جعلوا العقائد قطعية ومسائل الفقه ظنية، ومذهب أهل السنة قاطبة حجيتها خلافا للمعتزلة ومن وافقهم، فهم يعبرون عن العقائد بالقطعيات وبالمعقولات أيضا، لأن القطع عندهم لا ينال إلا بالدليل العقلي، أما القرآن والسنة فلا يدلان إلا على الظن كما قرره غير واحد من المتأخرين، فمنهم من يقول لا يحتج به في العقائد مطلقا كما هو شأن المعتزلة، ومنهم من يقدم المعقول القطعي عنده على خبر الواحد الظني كما هو شأن متأخري الأشاعرة.

وكلام ابن باديس لا علاقة له بمسألة مجال الاحتجاج بخبر الواحد، وإنما في تقرير تقديم القرآن القطعي على الخبر الظني، وثمة فرق شاسع بين من يقدم عقله على الخبر ومن يقدم كلام رب العالمين المفيد لليقين على خبر يحتمل الصواب والخطأ، وموضوع حجية خبر الواحد في الاعتقاد قد بيناه مفصلا في الفصل الأول من الباب الأول من الرد النفيس فليراجعه من شاء.

ومن هذا التقرير يظهر أن جواب شيخنا أبي عبد المعز لم يصادف محله، وكأن المشرفين لم ينقلوا له نص كلام ابن باديس كاملا فانصرف ذهنه إلى غير المسألة المقصودة، وإلا فالذي نعلمه من مذهب شيخنا هو عين ما قررناه سابقا، وهذا نص ملخص من إملائه علينا في مسجد الهداية قبل أكثر من أربع عشرة سنة، ثم في الجامعة بعدها في مرحلة الماجستير في باب التعارض والترجيح:" ثانيا: ثم ينظر في الكتاب والسنة المتواترة وهما على درجة واحدة من حيث الثبوت، فكل واحد منهما دليل قاطع ولا يتصور بينهما تعارض، فإنه لا يتصور تعارض القواطع سواء كانت عقلية أو نقلية ومنه فلا ترجيح بينها إذ الترجيح فرع التعارض، وبعبارة أخرى إن القطعي إما أن يعارض بقطعي أو ظني، ومعارضة القطعي لمثله محال، لأنه إما أن يعمل بهما معا فيكون جمعا بين النقيضين في الإثبات، وإما أن يمتنع عن العمل بهما فيكون جمعا في النفي، وإما أن يعمل بأحدهما دون الآخر فلا أولوية مع التساوي، وكذا الظني فإنه لا يقاوم القطعي لتفاوت مرتبتهما فالقطعي أولى بالتقديم، وما علم لا يظن خلافه، ظن الخلاف شك، فكيف يشك فيما يعلم، ولذلك لا ترجيح بين القطعي والظني، وبامتناع التعارض بين القطعيات لم يبق إلا الطرق الظنية، والدليلان الظنيان يتعارضان اتفاقا في نظر المجتهد ... " ثم بحث مسألة إثبات التعارض بين الظنيات ومشروعية الترجيح بينها وطرق دفع التعارض بينها ومن الظنيات الأقيسة وأخبار الآحاد وهو واضح بل البحث في مرجحات السند كله يختص بأخبار الآحاد، وقال في الفتح المأمول (158):"ويضيف الأحناف قسما ثالثا بينهما وهو المشهور والصحيح أنه يدخل ضمن الآحاد إذ لا يفيد إلا الظن ". وما دام الظني لا يعارض القطعي وخبر الواحد ظني إذن هو مردود.

أخي بارك الله فيك

قيد يتكلم اثنان بالتأصيل نفسه ولكن عند التطبيق يستبين الأمر

فقد يقول قائل: " العقل لا يعارض النقل " ويريد بذلك ما يعلمه أهل السنة من هذه العبارة

وقد يقول آخر العبارة نفسها ويعني بأن النقل يجب تأويله ليوافق العقل فلا يتعارضان

الكلام المذكور عن الشيخ ابن باديس وقع تطبيقه في كلامه على والدي النبي صلى الله عليه وسلم

حيث فهم بعض النصوص فهماً ظنياً

ثم جعل فهمه هذا حاكماً على النصوص قطعية الدلالة المخالفة لقوله

وهذا منهجٌ بدعي سار عليه أهل البدع قديماً وحديثاً

ومن أشهر تطبيقاتهم الحديثة لهذا المنهج إنكارهم لحد الردة

واحتجاجهم ببعض الآيات التي فهموها فهماً خاطئاً ثم جعلوا فهمهم الخاطيء حجةً على النصوص القطعية المخالفة لقولهم

ومن أجود ما يرد به عليهم أن يقال:

أن الظنية والقطعية ليست فقط في الثبوت

بل هي أيضاً في الدلالة

فهل فهمكم للآيات قطعي أم ظني؟

إن قالوا هو قطعي فقد كابروا، فكيف يكون فهمهم قطعياً وعلماء الأمة على اختلاف ملكاتهم ونحلهم ومواهبهم يخالفونهم

وإن قالوا هو ظني

قلنا: تعارض فهمكم الظني مع دلالة الأحاديث القطعية وعليه نعكس قاعدتهم عليهم ويظهر ما في قاعدتهم من الإطلاق غير المنضبط

وإذا تأملت هذا القول ومقدماته وجدته ينطلق من نفس المنهج الذي انطلق منه الشيخ _ رحمه الله _

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير