ـ[المتولى]ــــــــ[10 - 03 - 09, 04:10 م]ـ
المتولي و حركة الحياة من حوله أثره و تأثيره فيها:
عاش المتولي في القاهرة، و كان مستور الحال، و كانت حياته في فترة ما بعد الاحتلال الإنجليزي لمصر، في هذه الفترة تدهورت الحياة الإجتماعية في مصر، حيث تأثر أكثر المصريين بالأجانب و تابعوهم متابعة عمياء، فانتشرت الميوعة و انتشر الربا و الحشيش و الميسر و فشا الاختلاط و تبرج الجاهلية الأولى و لولا ما قيضه الله لمصر من علماء صالحين مصلحين لذابت في بوتقة الفجور و الكفران لم يتأثر المتولي بموجة الانحلال؛ لأنه كان مستمسكا بالقرآن العظيم و إقراء قراءته و التأليف فيها.
تأثر الشيخ المتولي بالطرق الصوفية و تابع أهلها في أقوالهم حيث غالبًا ما يقول عن نفسه في مقدمات كتبه الخلوتي طريقة حيث يذكر اعتقاده بأن ذات النبي من نور و غير ذلك من أقوالهم - غفر الله له – التي ذكرها في مقدمات كتبه كما سنرى في مقدمة الروض إن شاء الله تعالى.
و الشيخ المتولي كان دائم الترحال في بلاد مصر فقد ذهب إلى طنطا حيث مشايخ القراءات الكبار هناك و كان دائم المناظرة و الحديث معهم، و ألف المؤلفات القيمة في الرد على بعض الآراء التي تحتاج إلى رد، مثل ما ذكره الضباع أن أحد علماء الأزهر زعم أن الضاد كالظاء المعجمة في اللفظ و السمع، و كان ذلك في سنة 1293هـ - 1876م، فتصدى المتولي - رحمه الله – لهذا الأمر و رفع الأمر إلى شيخ الأزهر، فاستحضر الزاعم و استتيب، فلم يتب، فحكم بنفيه.
و من ذلك تأليفه لرسالة " العُجَالة البديعة الغُرَرْ في أسانيد الأئمة القراء الأربعة عشر " في الرد على من يقول أن القراءات لم تكن مروية عن رسول الله r حيث يقول في مقدمة الرسالة " هذا و إن الباعث على ذلك أنه قد بلغني عن بعض أهل عصرنا هذا أنه يزعم أن هذه القراءات لم تكن مروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و إنما هو اختراع من أئمة هذا الشأن، و لم يكن لهم مسند في ذلك. و هذه فتنة عظيمة، و جرأة جسيمة، أعاذنا الله و إخواننا من مضلات الفتن، و عافانا و إياهم من جميع المحن. و إني لأرجو أن تكون هذه العجالة سببا في إزالة شبهته، و كشف غمته بتوفيق الله تبارك و تعالى ".
و من ذلك الدفاع بقوة عن القراءات في رسالته (سفينة النجاة فيما يتعلق بقوله تعالى {حاشا لله}) حيث يقول – رحمه الله – " أما بعد فقد حضر لي مكتوب من حضرة أستاذنا الأعظم شيخ الجامع الأزهر، مضمونه أني أطلع على الكتابة التي كتبها الشيخ محمد سليمان السفطي في الرد على من وقف لأبي عمرو على {حاش} من قوله تعالى {حاش لله} بحذف الألف ووصل بإثباتها، فاطلعت عليها فوجدتها مخالفة لما أجمعت عليه الأمة، فكتبت بعض نصوص القراء و المفسرين المفيدة للمطلوب ".
و من ذلك موقفه من قراء طنطا الأحمديون حينما ألف الشيخ المتولي كتاب " البرهان الأصدق و الصراط المحقق في منع الغنة للأزرق " حيث وافقه أعيان القراء بالقاهرة و ارتضوا ما اشتمل عليه و انتهى إليه من التحقيق، و خالفه البعض فلما قرئت الرسالة على أكابر القراء بالقاهرة و منهم المخالف بمحضر من شيخ الأزهر مصطفى العروسي، فأجمع قراء القاهرة على ما حرره المتولي و لم يشذ منهم أحد بذلك.
و لما سمع قراء طنطا بما قرره المتولي أعظموا القيل و القال؛ لأنه خلاف ما درجوا عليه، وبعثوا رسالة ضَمَّنوها محاولة التصحيح عليه، و بعثوا بها إليه، فرفع المتولي القضية إلى شيخ الأزهر، فأمر بأن يرسل إليهم المتولي نسخة من الرسالة التي رد فيها على المخالف من أهل القاهرة بادئ الأمر؛ ليجمع القراء الأحمديين فيكتبوا عليها بالإجازة أو يردوا بوجه صحيح، و بعد سنتين جاء الجواب منهم، فأثبته المتولي في رسالته للرد عليهم و سماها " الشهاب الثاقب للغاسق الواقب "، ثم أتبعه بالرد عليهم و بيان الحق بمنع خلط الطرق و تلفيقها، ومنع قراءة القرآن بالاحتمالات و الاجتهادات من غير نص وثيق يجب المصير إليه و التعويل عليه و الكتاب ماتع مفيد جدا تتجلى من خلاله قدرة المتولي على تحرير القراءات و عزو الروايات.
من خلال ما سبق نرى أن الشيخ المتولي كان مشاركا في قضايا مجتمعه عالما بها حريص على بذل الجهد في بيان الحق - رحمه الله تعالى رحمة واسعة -.
¥