تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و من باب التواضع في المجال العلمي، أذكر أنه تذاكر مع بعض الإخوان في مراتب بعض الآثار، فاقترح عليه الأخ بحسن نية و تقدير عرضها على راقم هذه الأسطر، فحبذ الشيخ الفكرة و أجازها بكل تواضع. و لما توصلت بها أجبت الشيخ في رسالة سلمتها إليه يدا بيد، فقرأها أمامي و باركها، و ها هو ذا نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله واهب النعم و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم

إلى سليل رياض البهجة، و نزيل خليج طنجة،

الشيخ المقرئ الفاضل، الأستاذ مصطفى البحياوي ذي المكارم و الفضائل

أما بعد، فقد واصلتني برسول كريم، جازاك المنعم يا صاحب الفضل العميم، و كان الموصول خيرا، لما تضمن من علم زانه سرا و جهرا، علم أذكى في أعماقي جذوة النشاط، و غمرني بفيض من السرور و الاغتباط، كيف لا و أنتم منبع الأسرار و العلوم، و منكم تستفاد المعاني و الفهوم … موصول علم استفسر عن تخريج ثلاثة من الآثار، اشتملت عليها جملة من الكتب و الأسفار، مقطوعة الأوصال و الأوطار، و ها هي ذي و تخريجها يا زينة الأحبار:

الأول: إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن:

و هذا الأثر اختلف في نسبته منهم من ينسبه لعمر بن الخطاب، و منهم من ينسبه لعثمان بن عفان، أما الأول فأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 4/ 107 فقال: أخبرنا أبو بكر البرقاني، أخبرنا أحمد بن الحسين الهمذاني أبو حامد، حدثنا أحمد بن الحارث بن محمد بن عبد الكريم، حدثنا جدي محمد، حدثنا الهيثم بن عدي، حدثنا عبيد الله بن عمر بن نافع، عن ابن عمر قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن.

قلت: و هذا إسناد منكر، فيه: الهيثم بن عدي، و هو كذاب. كذبه كل من البخاري و يحيى بن معين و أبي داود …

و أما الثاني فأخرجه ابن عبد البر في التمهيد 1/ 118 فقال: أخبرنا إبراهيم بن شاكر قال: حدثنا محمد بن إسحاق القاضي قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الأصبغ الإمام بمصر قال: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج قال: حدثنا أبو زيد بن أبي الغمر قال: حدثنا ابن القاسم قال: حدثنا مالك أن عثمان بن عفان كان يقول: ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن، أي: من الناس، قال: قلت لمالك: ما يزع؟ قال: يكف.

و هذا إسناد معضل.

و أغرب الشوكاني حين نسبه لعمر بن عبد العزيز في رسالته "رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين" 79.

و أما بعض أهل الأدب كالجاحظ و ابن عبد ربه فينسبونه للعلماء و الحكماء دون تعيين أو تخصيص. و الله أعلم.

الثاني: رب قارئ للقرآن و القرآن يلعنه.

هذا الأثر كنت أجده في الكتب التي تهتم بعلوم القرآن فأستنكر نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم خصوصا لما أعياني البحث عنه مسندا في كتب السنة المشرفة، إلى أن وقفت على كلام نفيس متعلق به في كتاب "القرآن فوق كل شيء" للعلامة المحقق، و الفهامة المدقق، ذو الاطلاع الواسع، و الفكر النير اللامع، أبي عبد الله سيدي محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الجعفري رحمه الله. قال فيه بعد كلام: فأما قولهم في "كم من قارئِ قرآنٍ و القرآن يلعنه" إنه حديث، فعليهم أن يبينوا من خرجه، و هل هو صالح أن يحتج به و الواقع يكذبهم فما رأينا من ذكره حديثا فضلا عن صلاحية الاحتجاج به، و لفظه يأبى أن يكون حديثا؛ إذ قراء القرآن هم حزب الله و حفظة كتاب الله و هم المومنون في الأكثر، و كم دالة على الكثرة و حاشا القرآن أن يلعن قراءه، و النبي عليه السلام ثبت عنه النهي الصريح عن لعن المومنين؛ بل الشريعة تنهانا عن لعن الكافر المعين. هب إن كل ذلك كذلك فقارئ القرآن الفاسق يثاب من حيث القراءة و يأثم من حيث المعصية، و نحن معاشر أهل السنة لا نقول بإحباط السيئات للحسنات؛ بل ذلك قول اعتزالي حائد عن الصواب؛ بل المصرح به في القرآن: (إن الحسنات يذهبن السيئات) و السنة طافحة أيضا بذلك. فقراءة العاصي يثاب عليها طبقا لما صح في الأحاديث السابقة، و ذلك الثواب يكون تكفيرا للسيئات أو لبعضها … نعم ورد في بعض الأخبار "ما آمن بالقرآن من استحل محارمه" و لكنه حديث ضعيف كما في المصابيح، و موضوعه فيمن اعتقد حلية ما حرمه القرآن، و هذا حكمه الكفر إذا كانت الحرمة معلومة بالضرورة و ليس الكلام فيه ... ص: 39 - 41.

الثالث: قال علي: الترتيل: تجويد الحروف و معرفة الوقوف.

هذا ذكره السيوطي في الإتقان 1/ 221 معلقا. و قبله ابن الجزري في النشر، و لم أقف عليه مسندا رغم طول البحث و التنقيب. وفوق كل ذي علم عليم.

هذا مبلغ علمي، و عصارة لبي و فهمي، فاقبلوها من تلميذكم الوفي، و ادعوا له بدعاء خير بالغدو و العشي.

هذا جواب الطالب قد صاغه للراغب

فيه عيون ترتجى لكشف رأي صائب

فكر سديد مقنع بإذن ربٍّ واهب

فاقبل به يا شيخنا و ادع بظهر الغائب

و ادع بخير نفعه ينير نهج الكاتب

و السلام

كتبه محبكم و مجلكم: بدر العمراني في طنجة: مساء يوم السبت 24 صفر 1426 هـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير