تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كلوديس جيمز ريتش (ريك) المقيم البريطاني بالبصرة وفي بغداد عام 1808م، كان داود باشا والي بغداد يعتقد بأنه متآمر مع الأكراد والإيرانيين [33]

وهكذا مع قلة الوازع الديني وقلة العلماء سرى التشيّع في الجنوب، وحصل هذا بالتحديد في القرن الحادي عشر والثاني عشر للهجرة، أي بعد سنة 1750 م تقريبا، وأصبح التشيع سمة غالبة على الجنوب العراقي وجزءا من وسطه.

و من الملاحظ أنه بحلول القرن العشرين كانت العشائر المستقرة ما زالت منقسمة على أسس طائفية، فعشائر المنتفك قد تشيعت، بينما بقيت عشائر الشحيم والسعدون على أصلها السُني، أما عشائر الفراعنة والزوابع وتميم فقد تفرقت بين شيعية وسنية، أما عشائر الجبور في حوض الفرات فقد تشيعت، بينما عشائر جبور دجلة احتفظت بمذهبها السني وهكذا

والسؤال المهم كيف أثر التشيع على عرب الجنوب فيما يتعلق بمحبتهم للعراق وروحهم الوطنية؟

وجوابه: إن قيادة عرب الجنوب – مع الأسف – هي بيد علماء الدين الشيعة، وهؤلاء أصبحت السيطرة عليهم سهلة من قبل المستعمر فإنّ الإنكليز و بناء على تلك المعلومات والتقارير والرحلات السابقة استطاعوا معرفة أغلب ما يتعلق بالقبائل وشيوخهم وتفرعاتهم ومدى ولائهم للدولة العثمانية وتسلحهم بل وحتى نوع السلاح ومصدره، وتمكن الإنكليز شيئاً فشيئاً باستخدام الترغيب بالأموال والأراضي والمناصب الإدارية، والترهيب بالحرمان والسجن والإبعاد عن البلد.

وفي نهاية المطاف تم لهم السيطرة على البلاد والتمكن في نهاية سنة 1917م، من تأسيس قوات عسكرية قوامها أفراد العشائر سموها (شَبَانة) وتذكر (المس بيل) في مذكراتها سنة 1919م أن ما يقرب من (400 شيخ ورئيس) من العشائر الفراتية في الحلة والهندية والناصرية والديوانية قد نظموا عرائض ومضابط يطلبون فيها استمرار الإدارة البريطانية المحتلة [34]. وهكذا انخرط الكثير من رؤساء القبائل والعشائر ذات الأصول الرفيعة في خدمة المستعمر.

كذلك تمكنوا من الهيمنة على كثير من شيوخ النجف وكربلاء ووجهائهم، فقد تمكن السيد هادي الرُّفيعي - وهو سادن الروضة العَلَوية - من تنظيم مذكرة تحمل تواقيع 21 شخصية من وجهاء المدينة وتجارها يطلبون الحكم البريطاني المباشر [35].

ومع هؤلاء ستة من المجتهدين في النجف كانوا على استعداد لتأييد إدارة بريطانيا حتى يتمكن أهل البلد من الحكم بأنفسهم، وإذا ما بحثنا عن هؤلاء نجدهم: ثلاثة هنود كانوا رعايا بريطانيين: السيد (هاشم) الهندي النجفي، (محمود) الهندي النجفي، ومحمد مهدي الكشميري، ومجتهد واحد من أصل فارسي هو جعفر بحر العلوم، وحسن بن صاحب الجواهري (يحمل الجنسية الإيرانية)، وعلي بن محمد رضا كاشف الغطاء، وكان على صلة وثيقة بكاظم اليزدي الإيراني أكبر المجتهدين علماً وصاحب النفوذ الكبير بين العشائر العربية الشيعية [36].

لذلك فإن الوجود الشيعي العربي في العراق أصبح مرتبطا بسبب ولاء القبيلة لرجال الدين إما بإيران أو بأي مستعمر دخيل، حصل هذا سابقا ويحصل اليوم بتعاونهم مرة مع الأمريكان ومرة مع إيران، وأصبح التشيع خطرا على البلاد والعباد، وضعف الولاء للقبيلة والوطن والعروبة وثمة نظرية لابد أن يدركها أهل الجنوب بوعي تام وهي:

كلما ضعف التدين الشيعي في الجنوب قوي ولاء القبيلة والعشيرة للوطن والعروبة.

وكلما قوي التدين الشيعي في الجنوب ضعف ولاء العشيرة للوطن؛ لأن بوصلة التشيع تحولت منذ نشأة الدولة الصفوية إلى إيران، وإيران تعمل لخدمة بلدها في تقوية آصرة الشيعة بهم باستخدام المرجعية، أي تستخدم المذهب في خدمة إيران.

ومهما حاول بعض المخلصين من أبناء الجنوب التمرد على سلطان علماء الدين لم يفلحوا لأن التشيع قام على تقديس رجل الدين الشيعي المستخدم من قبل إيران.

وفتوى العالم عند الشيعة مقدسة حتى يقول المثل العراقي الشهير (ذبها براس عالم واطلع منها سالم) ومعنى (ذبها) أي إرميها أو علقها.

وأي مستعمر يغزو البلاد ينتظر الشيعة في الجنوب فتوى العالم، وهذا بدوره مرتبط بالحوزة في إيران- إلا ما ندر- لذا فإن شيعة العراق لن يستقلوا بقرارهم، ومهما حاول البعض تفسير غير ذلك سيتعب؛ لأن قرار الفرد في الجنوب صودر لحساب رجل الدين الشيعي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير