تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد أصدر الملك فيليبى الثانى تعليمات تقضى بأنه "لبقاء الهنود على اعتناقهم السليم للدين المسيحى وجب إبعاد الموريسكيين عنهم وعدم الاتصال بهم مطلقا، وبذلك شددت الرقابة للتفتيش عن الموريسكيين الذين مروا إلى الهند وهم موجودون بإسبانيا الجديدة،أما الأشخاص الذين يعثر عليهم فوجب إرسالهم فى الحال دون السماح لأى واحد منهم بالبقاء مهما كانت الأسباب .... ".

رغم كل هذه القرارات المتلاحقة التى تقضى بإبعاد الموريسكيين عن أراضى العالم الجديد فإننا نجد فى المصادر التاريخية ما يؤكد أن الوجود الإسلامى فى أمريكا لم ينقطع مطلقا، إذ يتحدث خوان لوبيث بيلاسكو عن الوضع فى العالم الجديد خلال الأعوام 1571ـ1574وذلك فى كتاب "جغرافية ووصف أمريكا منذ عام 1571وحتى عام1574"

يقول: رغم الحظر والأمر بعدم السفر إلى أمريكا دون تصريح فإن الكثيرين من العرب واليهود ذهبوا إلى الأراضى الأمريكية كتجار وبحارة" (8). من ناحية أخرى نشير إلى أن قرارات الحظر المذكورة كان يتم التحايل عليها من قبل الموريسكيين، إذ كان هؤلاء يستخدمون تصاريح سفر صدرت لأشخاص آخرين، كما نشير إلى أن التظاهر باتباع المسيحية وممارسة الإسلام فى الحقيقة والإقامة فى قرى أمريكية بعيدة عن مراقبة رجال الكنيسة كل ذلك أسهم فى وجود عدد من المسلمين يصعب حصره. ويذكر الباحث الفرنسى لوى كارداياك أنه فى عام 1560 تمت محاكمة ثلاثة موريسكيين فى كوثكو ببيرو بتهمة ممارسة شعائر الإسلام، هذا بالإضافة إلى عدة محاكمات تمت فى المكسيك، بل إن رئيس أساقفة جواتيمالا نفسه –فرانثيسكو ماروكين- كان من أصل موريسكى، وقد اتهم عام 1543 بعدم صحة عقيدته المسيحية. (9). هذا عن الوضع فى الأقاليم الخاضعة للسيطرة الإسبانية، أما الأقاليم الخاضعة للبرتغال فكان وضع المسلمين فيها أحسن حالا، ذلك أن سياسة البرتغال من حيث السماح للمسلمين بالسفر إلى أمريكا كانت أقل تشددا من السياسة الإسبانية. (10)

تقول مصادر كثيرة إن سلطات محاكم التفتيش فى العالم الجديد –فى بويرتو ريكو على سبيل المثال- لم تكن تهتم كثيرا بتنفيذ التعليمات الخاصة بحظر دخول المسلمين أو تلك التعليمات الخاصة بالتفتيش عن كتب محظورة، بل إن العمدة أغيلار نفسه -كما تقول نفس المصادر- قد اتهم عام 1550 بعدم تنفيذ الأوامر الملكية الصادرة ضد موريسكيى بويرتو ريكو.

من ناحية أخرى يجب أن نضع فى الاعتبار أن قلة المصادر التابعة لمحاكم التفتيش والخاصة بموريسكيين لا ينبغى أن يفهم على أنه دليل على قلة عدد المسلمين، فقد كان من المستحيل تقريبا أن تقوم السلطات بإحكام المراقبة فى تلك الأراضى الشاسعة، ثم إن السكان الأصليين لم يكن بإمكانهم التمييز بين الشعائر الإسلامية والمسيحية، ولم تكن لهم مصلحة فى الإبلاغ عن الذين يمارسون شعائر الإسلام. إذا وضعنا فى الاعتبار أن السلطات لم تكن تهتم كثيرا بتنفيذ تعليمات الحظر الصادرة إليها لاستطعنا أن نتفهم سر وجود مسلمين كثيرين فى أمريكا دون أن يترجم ذلك إلى عدد كبير من قضايا ضدهم.

لا يجب أن نغفل أبدا موضوع التقية عند الحديث عن الموريسكيين. لقد استطاع مسلمو الأندلس بعد سقوط دولتهم المحافظة على شعائر الإسلام لمدة تربو على 120 عاما بفضل التظاهر باتباع المسيحية، ومن الطبيعى أن يلجأ الموريسكيون فى أمريكا الجنوبية إلى هذه الوسيلة التى ثبتت فعاليتها فى إسبانيا.

نتحدث الآن عن وجود ملموس لموريسكيين فى أمريكا فنقول إن أحدهم –بدرو رويث ديلغادو- كان طبيبا وكان مسئولا عن الإيرادات الملكية وكان عمدة لسان خوان فى بويرتو ريكو.

وفى الأرجنتين – كما اكتشفت الدكتورة ماريا إلفيرا ساغارثاثو- لوحظ أن قرية كاملة لا تأكل لحم الخنزير وتدفن موتاها على الطريقة الإسلامية ولا تسمى أبناءها بأسماء تتعارض مع العقيدة الإسلامية، وتشير الباحثة إلى أنه مما ساعد على ذلك استخدام تصاريح مزورة، ووصول سفن غير مسجلة كانت تحمل على متنها من يستطيع دفع ثمن الرحلة، دون اعتبار لأصله أو ديانته. وتخلص الباحثة إلى القول بأن "نقاء الدم" فى أمريكا كان مجرد وهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير