تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

محنة الأندلسيين لصيام رمضانسقطت دولة الإسلام بالأندلس سنة 1492م بتسليم أبي عبد الله ابن الأحمر -غفر الله له- مدينة غرناطة آخر معقل إسلامي بالأندلس إلى الملكيْن الكاثوليكيين فرديناند وإيزابيلا -عليهما من الله ما يستحقان- فرفعا الصليب على أعلى أسوار قصر الحمراء، وأدى النصارى صلاة الحمد شكرًا للرب على هذا الفتح -كما زعموا-. وقد وعد الملكان الكاثوليكيان في اتفاقية تسليم غرناطة المسلمين باحترام دينهم وتركهم أحرارًا في اعتقادهم وعباداتهم. لكن ما إن غادر أبو عبد الله قصر الحمراء حتى حُوّلت مساجده إلى كنائس، وقد كان هذا أول نابٍ كشّر عنه النصارى في خطة افتراس الأندلسيين.

أما الناب الثاني فقد كشّروا عنه سنة 1499م بإصدار مرسوم ملكي يقضي بتنصير المسلمين وتعميدهم قسرًا، وتخليهم عن أسمائهم وأزيائهم الإسلامية ولغتهم العربية وكل ما يمتُّ للإسلام بصلة. فرفض أهل الأندلس هذا القرار فثاروا في غرناطة لكن ثورتهم أُخمدت. وأمام إصرار النصارى على تنصيرهم عاش الأندلسيون حياة مزدوجة، فهم ظاهرًا نصارى وباطنًا مسلمون. وأنشأ الأسبان محاكمَ للتفتيش لمراقبة تصرفاتهم ومحاكمة كل من يتشبث بالإسلام. واستمر الأندلسيون على هذا الحال حتى سنة 1567م، حيث أصدر الملك فيليب الثاني قرارًا صارمًا بالتشديد على الأندلسيين، وعدم التسامح مع من يُبدي أي مظهر من مظاهر الإسلام، فقام الأندلسيون سنة 1568م بثورة كبرى في غرناطة استمرت 4 سنوات، انتهت بقمعها واشتداد الوطأة على الأندلسيين الذين ظلوا رغم كل ذلك يحفظون شيئًا من الإسلام. وجاءت سنة 1609م التي شكلت سنة الفرج للأندلسيين، حيث أعلن الملك فيليب الثالث بإيعاز من القساوسة قرارًا بطرد كل الأندلسيين من إسبانيا؛ حفاظًا على وحدة العقيدة الكاثوليكية الإسبانية من خطر"الموريسكيين" الذين ما زالوا مسلمين يحملون دين محمد r. وبالفعل تمّ طردهم إلى شمال إفريقيا حيث بلاد الإسلام، وهكذا أنجاهم الله U من الكفر النصراني.

2 - رمضان عند الموريسكيين:

محنة الأندلسيين لصيام رمضانحاول المؤرخون الأسبان الذين عاصروا الموريسكيين بإسبانيا رسم صورة لحياتهم الدينية السرية، وقد خرجوا جميعًا بخلاصة مفادها أن صيام شهر رمضان واحترامه وتعظيمه هو أكثر ما تشبّث به الموريسكيون رغم مرور العقود على تنصيرهم.

يقول المؤرخ الإسباني بورونات إي باراتشينا ( Boronat y Parrchina) محاولاً رسم صورة عن حياة الموريسكيين الدينية كما كانوا يؤدونها خُفية عن أعين الوشاة النصارى, وقد أورد عدة مظاهر أساسية في حياة المسلمين بينها الصيام، حيث ذكر عن شهر رمضان: "ومدته ثلاثون يومًا, لا يأكل المسلم خلال اليوم إلا في الليل عند بزوغ النجم, وفي كل ليلة يتسحر المسلم, فيأكل بقية ما خلفه في أكل الليل. يأكل قبل الفجر ويغسل فمه ويؤدي الصلاة, ويتطهر المسلم قبل بدء رمضان. يبدأ الصوم برؤية الهلال وينتهي برؤية الهلال. بعد ذلك ينتظر أحد عشر شهرًا, والشهر الثاني عشر يكون هو رمضان, بحيث إن رمضان يبدأ قبل رمضان السابق له بنحو عشرة أيام, إذ هكذا يكون حساب الأهِلَّة. بعد أن ينتهي شهر رمضان -ومدته ثلاثون يومًا- يحتفل المسلمون بعيد الفطر. وفي أول أيام العيد يُقبِّل الابن المسلم يد أبيه ويطلب منه أن يُسامحه, والآباء يباركون الأبناء فيضعون أيديهم على رءوسهم ويقولون: "جعلك الله مؤمنًا (أو مؤمنة)، صالحًا (أو صالحة) ". ويطلب كل مسلم من أخيه المغفرة قائلاً: "غفر الله لي ولك" [4].

واستخلصت الباحثة الإسبانية غارسيا مرثيدس أرينال بعد طول دراسة لمحاضر محاكم التفتيش الإسبانية أن: "العبادات الأكثر رسوخًا في حياة الموريسكيين, والتي يتردد ذكرها في كل محاضر التفتيش تقريبًا, هي صيام رمضان والطهارة والصلاة". وواصلت الباحثة: "وبدون أدنى شك, صيام رمضان هو العبادة الدينية الأكثر تأصلاً في حياة المسيحي الجديد, وفي الغالب هي أكثر عبادة يحافظ عليها الجميع. ويمكن القول بأنه آخر مظهر إسلامي من حيث التلاشي ... فصيام رمضان كما تصفه المحاضر, يرتكز أساسًا على الامتناع عن الطعام والشراب والمحافظة على ذلك من الفجر إلى الليل عندما تطلع النجوم خلال شهر رمضان بأكمله. على وجه التحديد, طابع الرفض والامتناع في الصيام, مثل ذلك طابعه الجماعي, يجعل منه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير