تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العبادة الإسلامية الأكثر تأصلاً, وبالتالي الأكثر تميزًا" [5].

أما الباحث الإسباني الشهير خوليو كارو باروخا فقد ذكر نقلاً عن كتاب (سرفنتس والموريسكيون): "أنه في بداية القرن السابع عشر كان أهل مرسية وجيان ومن بقي في غرناطة يصومون رمضان" [6]. أي بعد 110 سنوات على سقوط غرناطة حافظ الأندلسيون على صيام رمضان. وهذا إن كان يدلّ على شيء فإنما يدل على عظم مكانة هذا الشهر عندهم، رغم بطش النصارى بهم، وليعتبر اليوم من فرَّط في صيام رمضان!!

3 - تشوق الموريسكيين لرمضان:

محنة الأندلسيين لصيام رمضانشكلت مراقبة هلال رمضان للأندلسيين مهمة محفوفة بالمخاطر نظرًا لانتشار أعين الوشاة الذين يترصدون الحركة الكبيرة والصغيرة التي قد توحي بأن فاعلها مسلم. لكن شدة شوقهم لصيام رمضان كانت أكبر من خوفهم من النصارى، فصعدوا إلى المرتفعات لرؤية الهلال؛ حرصًا على صيام رمضان في وقته الشرعي.

في هذا الإطار تروي الباحثة الإسبانية أرينال نقلاً عن محاضر محاكم التفتيش بكوينكا: "يبدأ الصيام بظهور هلال رمضان الذي كان يدور حوله توقع كبير. وكان هناك قلق عند انتظار الهلال ومراقبته, وكانوا ينقلون خبر ظهوره بين القرى المجاورة ويتناقشون حوله. وتسبَّب هذا الاهتمام بهلال رمضان في محاكمة عدد ليس بالقليل من الموريسكيين. تجدر بالذكر حالة (ديثا)؛ ففي عام 1570م (أي بعد 78 سنة على تنصير المسلمين) تم القبض على نصف القرية لأنهم خرجوا إلى أماكن الفضاء لرؤية ظهور هلال رمضان, ولما دار جدل حول ما إذا كان الهلال ظهر أم لا، انقسموا إلى جماعات متفرقة وبدأت كل جماعة تدافع عن موقفها بصوت عالٍ, وبالتالي علمت السلطات وقبضت عليهم [7].

والحالات التي يظهر فيها الموريسكيون وهم يستطلعون الهلال عديدة: ماريا دي أليخير ( Maria de Aliger) من ديثا [8]: "لشغفها بمعرفة متى سيبدأ شهر رمضان حتى تصوم, قالت لأحد الموريسكيين إنها ذهبت لرؤية الهلال في فضاء هذه القرية". وخيرونيمو, نقّاش أركوس, رآه جاره ذات ليلة وهو ينظر إلى الهلال، وقال له هذا الشاهد: إلامَ تنظر؟ وما الذي جاء بك إلى هنا؟ قال هذا النقاش: إنه جاء لرؤية الهلال. قال الشاهد: تريد أن تصوم؟ قال له النقاش: أجل، فهناك في أراغون يصوم الجميع" [9].

4 - محنة الأندلسيين لصيام رمضان:

محنة الأندلسيين لصيام رمضانلتسهيل الوشاية بالمسلمين من طرف النصارى ولمنعهم من أداء شعائرهم الإسلامية, نشرت السلطات الكنسية التابعة لمحاكم التفتيش لائحة طويلة من ستة وثلاثين مظهرًا من المظاهر الإسلامية التي وجب الإخبار عنها، ومنها: "إذا قاموا بصيام رمضان, وراعوا ذلك أثناء عيد الفصح، وسلموا بعض الصدقات، وأنهم لم يأكلوا ولم يشربوا حتى يلاحظوا النجمة الأولى. إذا قاموا بالسحور, واستفاقوا ليأكلوا قبل طلوع النهار، أو غسلوا أفواههم ورجعوا إلى فراشهم" [10].

هكذا عاش الأندلسيون في حالة خوف وحذر من الوشاة، وأخفوا عقيدتهم والتمسوا الخلوات والأماكن المنعزلة لأداء فرائضهم ومنها الصيام، وكان النصارى إذا حلَّ رمضان يمتحنوهم لمعرفة ما إذا كانوا ممسكين. ورغم اعتذار الأندلسيين بأعذار مختلفة لتبرير عدم أكلهم، فإنهم كانوا يتابعون من طرف محاكم التفتيش. وهذا ما جعل عدد الموريسكيين المدانين في شهر رمضان أكثر من الشهور الأخرى. فهذا الأندلسي فرانسيسكو القرطبي ( Francisco Cordoba) " الذي كان يصوم رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس خلال شهر كامل, لم تعرض له دعوات كثيرة من جيرانه مثل تلك التي جاءت خلال شهر رمضان, وقد كان حريصًا على احترام الصيام, وأنه إذا دُعي للغداء فإنه كان يرفض بحجة أنه فاقد للشهية, وإذا دُعي أثناء الأكل, فإنه كان يرد أنه أكل قبل ذلك في مكان آخر" [11].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير