تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد سجلت محاضر محاكم التفتيش الإسبانية أعدادًا كبيرة من حالات ضُبط فيها الأندلسيون في حالة صيام (عندما يصبح الصيام جريمة ولا حول ولا قوَّة إلا بالله!!). وتبقى أشهر قضية عرفتها محاكم التفتيش هي ضد عائلة ابن عامر المسلمة (سليلة المنصور بن أبي عامر الشهير) ببلنسية سنة 1567م، وتبيِّن لنا هذه القضية تعظيم الموريسكيين لشهر رمضان وإصرارهم على صيامه رغم المنع والحظر النصراني لأي مظهر إسلامي .. وقد ذكر محضر الاتهام بعض شهادات المقرَّبين من عائلة ابن عامر كشهادة الخادمة الموريسكية أنخيلا زوجة خايمي أليمان، والتي شهدت "أنها -وعمرها ستة عشر عامًا- قد أدت شعائر المسلمين, فصامت رمضان, وأنها كانت خادمة للسيد خيرونيمو بن عامر في بناغواتيل بعد أن كانت تعمل خادمة في بيت هاشم في سيغوربي, وفي بيت السيد خيرونيمو صامت رمضان معه ومع زوجته وأبنائه, وهم السيد كوسمي والسيد خوان والسيد أيرناندو والسيدة أغرايدا, وقد احتفل كل هؤلاء بعيد المسلمين فارتدوا أفضل الثياب لديهم. وهذا ما حدث بالضبط في بيت هاشم في سيغوربي -والسيد هاشم متزوج من السيدة أغرايدا ابنة السيد خيرونيمو- فلم يكونوا يأكلون طوال اليوم حتى حلول الليل".

جاءت شهادة بيرنات المعلم -المسئول في بناغواتيل عن ذهاب الموريسكيين لسماع الوعظ النصراني بالكنائس- لتؤكِّد التزام عائلة ابن عامر بالتعاليم الإسلامية, حيث يذكر محضر الاتهام عن بيرنات أنه "شاهدهم يصومون رمضان من أول شهر يوليو" [12].

أما سيبستيان القواغازي من مواليد أوريا بنهر المنصورة فقد حكم عليه سنة 1574م بمصادرة جميع ممتلكاته، والتجديف ست سنوات في سفن الملك، وذلك لتلبسه بممارسة شعائر إسلامية، منها: "أنه كان يتوضأ مرات عديدة، وصلى على طريقة المسلمين، وصام الصيام الذي يقولون عنه صيام رمضان، ممتنعًا عن الطعام والشراب حتى دخول الليل وطلوع النجوم ... ". وقد اعترف سيبستيان قائلاً: "إن مسلمي البربر ممن شاركوا في ثورة غرناطة علّموه صيام رمضان, وهو يصوم شهرًا كاملاً ... " [13]. و" كان الاتهام يوجّه أحيانًا إلى الموريسكيين جملة على أثر بعض الحملات الفجائية على المحلات الموريسكية, فقد حدث مثلاً في سنتي 1589 - 1590م أن سجلت مائة قضية في قرية "مسلاته" الموريسكية بالقرب من بلنسية، وسجلت في قرية "كارليت" مائتان, واتهمت أربعون أسرة بصوم رمضان" [14].

ولتفادي المراقبة النصرانية عمل الأندلسيون على احتراف مهن تُبعِدهم عن أعين الوشاة؛ حتى يتمكنوا من أداء شعائرهم الإسلامية في اطمئنان نسبي. وهكذا فقد اشتغلوا بمهنة نقل البضائع حيث كانوا يقضون رمضان في قرى غير قراهم، أو في طريقهم إلى مدينة أخرى. وقد شكَّل لهم هذا فرصة لدعوة الأندلسيين إلى الإسلام، وتعليمهم أمور دينهم. فلله دَرُّهم قد كانوا دعاة في قلب البلد الكاثوليكي المتعصِّب!!

"في إحدى الرحلات التي كان يسيرها بدرو زامورانو ( Pedro Zamorano) اجتهد هذا الأرغوني لإقناع الموريسكي الوحيد الذي رفض الصوم -إذ كانت الرحلة في شهر رمضان- بحتمية احترامه لهذه القاعدة الإسلامية" [15].

هم الدعوة عند الأندلسيين

محنة الأندلسيين لصيام رمضانولننظر من خلال القضايا أدناه المحفوظة في أرشيفات محاكم التفتيش إلى هَمِّ الدعوة عند الأندلسيين: "في عام 1524م كان أغوستين دي ثيلي Agustin de celei, وهو نسّاج من ديثا, غالبًا ما يذهب إلى أراغون لزيارة أقاربه وأصدقائه. وكان ميغيل دي ديثا يذهب إلى مولد سان أندرس دي داروقا San Andres de Daroca، وقام ماتيو ألموتثان Mateo Almotazan برحلة من ديسا إلى سرقسطة، وعلّمه الموريسكيون الأراغونيون كيف يصوم رمضان ومتى". "وكان غريغوريو غورغاث Gregorio Gorgaz, العمدة الاعتيادي لديثا, يمتلك بعض خلايا النحل في سيستريكا، وكان يذهب إلى هناك كثيرًا, قام الموريسكيون بهذا الإقليم بتعليمه صيام رمضان والصلاة والطهارة ... وكان لويس إيرناندبيث, أحد ناقلي البضائع, قد تعلّم كل ما يتعلق بالإسلام في أراغون التي كان يمرّ بها في أسفاره, وهناك -وبإرادته- قطع على نفسه عهدًا أن يكون مسلمًا. وسافر لويس دي أورتوبيا إلى قطالونيا لبيع حمولته عندما بدأ رمضان, وأراد أصدقاؤه الأراغونيون أن يصوم معهم, ولما لم يتمكنوا من إقناعه حملوه إلى قرية بها فقيه مشهور؛ كي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير