تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يعلِّمه الصيام ويحوله إلى الإسلام" [16].

وقد ساعد بعض النصارى القدامى الموريسكيين على أداء شعائرهم الدينية بما فيها الصلاة والصيام، لكن محاكم التفتيش كانت لهم بالمرصاد، وحاكمتهم بتهمة حماية الموريسكيين وإبقائهم على دينهم الإسلامي. وأذكر هنا حالة النصراني سانشو دي كاردونا أدميرال المقيم ببلنسية، والذي اتُّهِم في 14 مايو 1568م بحماية الموريسكيين وتمكينهم من أداء شعائرهم الإسلامية، حيث قام ببناء مسجد لهم. وجاء في محضر الاتهام: "كان أمر تشييد المسجد معلومًا, وكان وفود الموريسكيين إليه معلومًا, وكانت الفضيحة كبيرة وصلت إلى مسامع أسقف بلنسية, ثم إلى مسامع جلالة الملك فيليبي سيدنا. وبأمر صاحب الجلالة -كمسيحي مخلص- هُدِم المسجد, ورغم هدمه فقد استمر قائمًا كمكان يعيش فيه الموريسكيون بدعم من السيد سانشو. إن رعايا السيد سانشو من المتنصِّرين (الموريسكيون) قد واصلوا أداء شعائر طائفتهم الخاصة بالزفاف والزواج, والخاصة بصيام رمضان, والاحتفال بالأعياد التي يحتفل بها المسلمون, وختان الذكور كبارًا وصغارًا" [17]. والشاهد هنا هو استمرار الموريسكيين في صيام رمضان حتى بعد عقود من فرض التنصير عليهم، ومحاولة طمس هويتهم الإسلامية.

وقد أبدى أسقف مدينة سيقوربي مارتين دي سالبترا سنة 1587م (حوالي 95 عامًا على سقوط غرناطة) امتعاضه من استمرار الموريسكيين في صيام شهر رمضان قائلاً: "إنه من المشهور أنهم لم يصوموا أي صيام مسيحي, بل يصومون صيام المسلمين, خاصة ما يُسمَّى برمضان ... ولكي يخفي الموريسكيون ذلك فإنهم يذهبون إلى مزارعهم, ويقضون وقتهم هناك إلى أن يحل الظلام, فيعدون عشاءهم وطعامهم في سرية, ويؤدون بقية شعائرهم كالصلاة والوضوء, وهي شعائر يأمر بها محمد في القرآن" [18].

وقد امتد الوجود الأندلسي الموريسكي حتى القارة الأمريكية رغم منعهم من السفر إلى أمريكا، وسجلت دواوين التفتيش بمكسيكو اصطباغ حياة العديد من الأسر بالمظاهر الإسلامية. وكان صيام رمضان أهم هذه المظاهر، وهذا ما أكدته دراسة بالمؤتمر الأول للأدب الخميادو- الموريسكي بمدينة أفييدو الإسبانية سنة 1972م, حيث جاء في هذه الدراسة: "وفي حالات أخرى فقد ضبط المسلمون على حين غفلة عندما يقيمون الصلاة، أو يصومون رمضان".

وختامًا لهذا الموضوع الذي بيّن جزءًا بسيطًا من محنة الأندلسيين في شهر رمضان, أسأل الله أن يرحم أولئك الأندلسيين الذين قضوا على يد محاكم التفتيش الإسبانية، وأن يسكنهم فسيح جنانه.

وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله أجمعين، والحمد لله رب العالمين [19].

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير