إذاً جعل الله الزينة لاختبار العباد، سَواءٌ أكانت هذه الزينة فيما خلقه الله وأوجده، أم مما صنعه الآدمي، فالقصور الفخمة المزخرفة زينة ولا شك، ولكنها من صنع الآدمي، والأرض بجبالها وأنهارها ونباتها وإذا أنزل الله الماء عليها اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، هذه زينة من عند الله تعالى.
قوله تعالى: {لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ} أي نختبرهم.
وقوله تعالى: {أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} الضمير يعود للخلق، وتأمل قوله تعالى: {ْ أَحْسَنُ عَمَلاً} ولم يقل: "أكثر عملاً"؛ لأن العبرة بالأحسن لا بالأكثر، وعلى هذا لو صلى الإنسان أربع ركعات لكنْ على يقين ضعيف أو على إخلال باتباع الشرع، وصلى آخر ركعتين بيقين قوي ومتابعةٍ قوية فأيهما أحسن؟ الثاني؛ بلا شك أحسن وأفضل، لأن العبرة بإحسان العمل وإتقانه إخلاصاً ومتابعة.
في بعض العبادات الأفضل التخفيف كركعتي الفجر مثلاً، لو قال إنسان: أنا أحب أن أطيل فيها في قراءة القرآن وفي الركوع والسجود والقيام، وآخر قال: أنا أريد أن أخفف، فالثاني أفضل؛ ولهذا ينبغي لنا إذا رأينا عامِّيَّاً يطيل في ركعتي الفجر أن نسأله: "هل هاتان الركعتان ركعتا الفجر أو تحية المسجد؟ ". فإن كانت تحية المسجد فشأنه، وإن كانت ركعتي الفجر قلنا: لا، الأفضل أن تخفف، وفي الصيام رخَّص صلى الله عليه وسلم لأمته أن يواصلوا إلى السَّحَر، وندبهم إلى أن يفطروا من حين غروب الشمس، فصام رجلان أحدهما امتد صومه إلى السحور والثاني أفطر من حين غابت الشمس، فأيهما أفضل؟ الثاني أفضل بلا شك، والأول وإن كان لا ينهى عنه فإنه جائز ولكنه غير مشروع، فانتبه لهذا {أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} ولذلك تجد النبي صلى الله عليه وسلم يفعل من العبادات ما كان أحسن: يحث على اتباع الجنائز وتمر به الجنائز ولا يتبعها، يحث على أن نصوم يوماً ونُفطِر يوماً ومع ذلك هو لا يفعل هذا، بل كان أحياناً يطيل الصوم حتى يقال: لا يفطر، وبالعكس يفطر حتى يقال: لا يصوم، كل هذا يتبع ما كان أرضى لله وأصلح لقلبه.
...
) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً) (الكهف:8)
قوله تعالى: {صَعِيداً} هذه الأرض بزينتها، بقصورها وأشجارها ونباتها، سوف يجعلها الله تعالى {صَعِيداً جُرُزاً} أي خالياً، كما قال تعالى:) وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً) (طه:105)
، أي نسفاً عظيماً ولهذا جاء مُنَكَّراً: أي نسفاً عظيماً، قال تعالى:) فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً) (طه:106) لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً) (طه:107) وبلحظة: كن فيكون! إذاً هذه الأرض يا أخي لا يَتعلَّق قلبك بها فهي زائلة، هي ستصير كأن لم تكن كما قال:) كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) (يونس: من الآية24).
وتأمل الجملة الآن: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ} فيها مُؤكِّدان، "إنَّ" و"اللام"، ثم إنها جاءت بالجملة الإسمية الدالة على القدرة المستمرة، إذا قامت القيامة أين القصور؟ لا قصور، لا جبال، لا أشجار، الأرض كأنها حجر واحد أملس، ما فيها نبات ولا بناء ولا أشجار ولا غير ذلك، سيحولها الله تعالى {جُرُزاً} خالية من زينتها التي كانت عليها.
* * *
) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً) (الكهف:9)
قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ} "أم" هنا منقطعة، فهي بمعنى "بل"، و {ْ حَسِبْتَ} بمعنى ظننتَ، هنا أتى بـ"أم" المنقطعة التي تتضمن الاستفهام من أجل شد النَّفس إلى الاستماع إلى القصة لأنها حقيقة عَجب، هذه القصة عجب.
(الْكَهْفِ) الغار في الجبل.
(وَالرَّقِيم) بمعنى المرقوم: أي المكتوب لأنه كتب في حجر على هذا الكهف قصتُهم من أولها إلى آخرها.
(كَانُوا) أي أصحاب الكهف والرقيم.
(مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً) من آيات الله الكونية.
¥