وللشيخ أثير الدين أبي حيان الأندلس النحوي - لما دخل الشيخ مصر واجتمع به - ويقال: إن أبا حيان لم يقل أبياتا خيرا منها ولا أفحل:
لما رأينا تقي الدين لاح لنا داع إلى الله فرداً، ماله وزر على محياه من سيما الأولى صحبوا خير البرية نور دونه القمر
خبر تسر بل منه دهره صبرا بحر تقاذف من أمواجه الدرر
قام ابن تيمية في نصر شرعتنا مقام سيد تيم إذ عصت مضر فأظهر الدين إذ آثاره درست وأخمد الشرك إذ طارت له شرر
يا من تحدث عن علم الكتاب أصخ هذا الإمام الذي قد كان ينتظر
وحكى الذهبي عن الشيخ: أن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد قال له - عند اجتماعه به وسماعه لكلامه -: ما كنت أظن أن الله بقي يخلق مثلك
ومما وجد في كتاب كتبه العلامة قاضي القضاة أبو الحسن السبكي إلى الحافظ أبي عبد الله الذهبي في أمر الشيخ تقي الدين المذكور أما قول سيدي في الشيخ فالمملوك يتحقق كبر قدره. و زخارة بحره وتوسعه في الشرعية والعقلية. وفرط ذكائه واجتهاده. وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف. والمملوك يقول ذلك دائماً. وقدره في نفس أكبر من ذلك وأجل. مع ما جمعه الله له من الزهاده والورع والديانة. ونصرة الحق. والقيام فيه لا نعرض سواه. وجريه على سنن السلف. وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى. وغرابة مثله في هذا الزمان. بل من أزمان.
وكان الحافظ أبو الحجاج المزي: يبالغ في تعظيم الشيخ والثناء عليه، حتى كان يقول: لم ير مثله منذ أربعمائة سنة.
وبلغني من طريق صحيح عن ابن الزملكاني: أنه سئل عن الشيخ؟ فقال: لم ير من خمسمائة سنة، أو أربعمائة سنة. الشك من الفاقل. وغالب ظنه: أنه قال: من خمسمائة - أحفظ منه.
وكذلك كان أخوه الشيخ شرف الدين يبالغ في تعظيمه جداً وكذلك المشايخ العارفون، كالقدوة أبي عبد الله محمد بن قوام ويحكي عنه أنه كان يقول: ما أسلمت معارفنا إلا على يد ابن تيمية.
والشيخ عماد الدين الواسطى كان يعظمه جداً، وتتلمذ له، مع أنه كان أ سس منه. وكان يقول: قد شارف مقام الأئمة الكبار، ويناسب قيامه في بعض الأمور قيام الصديقين.
وكتب رسالة إلى خواص أصحاب الشيخ يوصيهم بتعظيمه واحترامه، ويعرفهم حقوقه، ويذكر فيها: أنه طاف أعيان بلاد الإسلام، ولم ير فيها مثل الشيخ علماً وعملاً، وحالاً وخلقا واتباعا وكرما وحلما في حق نفسه، وقياما في حق الله تعالى، عند انتهاك حرماته. وأقسم على ذلك بالله ثلاث مرات.
ثم قال: أصدق الناس عقداً، وأصحهم علما وعزما، وأنقذهم وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه، وأسخاهم كفا، وأكملهم اتباعا لنبيه محمد ?. ما رأينا في عصرنا هذا من تستجلي النبوة المحمدية وسننها من أقواله وأفعاله إلا هذا الرجل، بحيث يشهد القلب الصحيح. أن هذا هو الاتباع حقيقة.
ولكن كان هو وجماعة من خواص أصحابه ربما أنكروا من الشيخ كلامه في بعض الأئمة الأكابر الأعيان، أو في أهل التخلي والانقطاع ونحو ذلك.
وكان الشيخ رحمه الله لا يقصد بذلك إلا الخير، والانتصار للحق إن شاء الله تعالى.
وطوائف من أئمة أهل الحديث وحفاظهم وفقائهم: كانوا يحبون الشيخ و يعظمونه، ولم يكونوا يحبون له التوغل مع أهل الكلام و لا الفلاسفة، كما هو طريقة أئمة أهل الحديث المتقدمين، كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ونحوهم، وكذلك كثير من العلماء من الفقهاء والمحدثين والصالحين كرهوا له التفرد ببعض شذوذ المسائل التي أنكرها السلف على من شذ بها، حتى إن بعض قضاة العدل من أصحابنا منعه من الإفتاء ببعض ذلك.
قال الذهبي: وغالب خطه على الفضلاء و المتزهده فبحق، وفي بعضه هو مجتهد، ومذهبه توسعة العذر للخلق، ولا يكفر أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه.
قال: ولقد نصر السنة المحضة، والطريقة السلفية، واحتج لها ببراهين ومقدمات، وأمور لم يسبق إليها، وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا، وجر هو عليها حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياما لا مزيد عليه، وبدعوه وناظروه وكابروه، وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي، بل يقول الحق المر الذي أداه إليه اجتهاده، وحده ذهنه، وسعة دائرته في السنن والأقوال، مع ما اشتهر عنه من الورع، وكمال الفكر، وسرعة الإدراك، والخوف من الله، و التعظيم لحرمات الله.
¥