تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأخرج من باب البريد، و اشتد الزحام، وألقى الناس على نعشه مناديلهم وعمائمهم، وصار النعش على الرءوس، يتقدم تارة، و يتأخر أخرى. وخرج الناس من أبواب الجامع كلها وهي مزدحمة. ثم من أبواب المدينة كلها، لكن كان المعظم من باب الفرج، ومنه خرجت الجنازة، و باب الفراديس، وباب النصر، و باب الجابية، و عظم الأمر بسوق الخيل.

وتقدم في الصلاة عليه هناك: أخوه زين الدين عبد الرحمن و دفن وقت العصر أو قبلها بيسير إلى جانب أخيه شرف الدين عبد الله بمقابر الصوفية، وحرز الرجال: بستين ألفاً وأكثر، إلى مائتي ألف، و النساء بخمسة عشر ألفاً، وطهر بذلك قول الإمام أحمد " بيننا و بين أهل البيع يوم الجنائز ".

وتردد الناس إلى الزيارة قبره أياما كثيرة، ليلا ونهرا، و رئيت له منامات كثيرة صالحة، ورثاه خلف كثير من العلماء و الشعراء بقصائد كثيرة من بلدان شتى، وأقطار متباعدة، وتأسف المسلمون لفقده. ورحمه، و غفر له.

وصلى عليه صلاة الغائب في غالب بلاد الإسلام القريبة و البعيدة، حتى في اليمن و الصين. وأخبر المسافرون: أنه نودي بأقصى الصين للصلاة عليه يوم جمعة " الصلاة على ترجمان القرآن ".

وقد أفرد الحافظ أبو عبد الله بن عبد الهادي له ترجمة في مجلده، وكذلك أبو حفص عمر بن على البزار البغدادي في كراريس. و إنما ذكرناها هنا على وجه الاقتصار ما يليق بتراجم هذا الكتاب.

وقد حدث الشيخ كثيرا. و سمع منه خلف من الحفاظ والأئمة من الحديث، ومن تصانيفه، وخرج له ابن الواني أربعين حديثاً حدث بها.

بداية المحنة

برواية تلميذه ابن عبد الهادى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. و لا ظهير و لا معين. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله إلى الخلق أجمعين. صلى الله عليه و على آله و سلم و على سائر عباد الله الصالحين.

أما بعد. فقد سئلت غير مرة، أن أكتب ما حضرنى ذكره مما جري في المجالس الثلاثة المعقودة للمناظرة، في أمر الاعتقاد بمقتضى ما ورد به كتاب السلطان من الديار المصرية إلى نائبة أمير البلاد لما سعى إليه قوم من الجهمية، و الاتحادية، و الرافضة، و غيرهم: من ذوي الأحقاد، فأمر الأمير بجمع القضاة الأربعة: قضاة المذاهب الأربعة، و غيرهم من نوابهم و المفتين، و المشايخ: ممن له حرمة و به اعتداد. و هو لا يدرون ما قصد بجمعهم في هذا الميعاد. وذلك يوم الاثنين ثامن رجب المبارك عام خمس و سبعمائة.

فقال لي: هذا المجلس عقد لك. فقد ورد مرسوم السلطان: أن أسألك عن اعتقادك، و عما كتبت به إلى الديار المصرية، من الكتب التي تدعو بها الناس إلى الاعتقاد.

وأظنه قال: وأن أجمع القضاة و الفقهاء و تتباحثون في ذلك.

فقلت: أما الاعتقاد فلا يؤخذ عني، و لا عمن هو أكبر مني، بل يؤخذ عن الله ورسوله. و ما أجمع عليه سلف الأمة. فما كان في القرآن وجب اعتقاده. وكذلك ما ثبت في الأحاديث الصحيحة، مثل صحيح البخاري و مسلم.

وأما الكتب، فما كتبت إلى أحد كتابا ابتداء أدعوه به إلى شيء من ذلك و لكنني كتبت أجوبة أجبت بها من يسألني من أهل الديار المصرية و غيرهم.

وكان قد بلغني أنه زور علي كتاب إلى الأمير ركن الدين الجاشنكير أستاذ دار السلطان، يتضمن ذكر عقيدة محرفة. ولم أعلم بحقيقته. ولكن علمت أن هذا مكذوب. و كان يرد على من مصر و غيرها من يسألني مسائل في الاعتقاد أو غيره، فأجيبه بالكتاب و السنة. و ما كان عليه سلف الأمة.

فقال: نريد أن نكتب لنا عقيدتك.

فقلت: اكتبوا.

فأمر الشيخ كمال الدين أن يكتب.

و كتبت له جمل الاعتقاد في أبواب الصفات، و القدر، و مسائل الإيمان، و الوعيد، و الإمامة، و التفضيل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير