تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و لما توجه الشيخ في اليوم الذي توجه فيه من دمشق المحروسة، كان يوماً مشهوداً، غريب المثل، في كثرة ازدحام الناس لوداعه ورؤيته حتى انتشروا من باب داره إلى قريب للجسورة - فيما بين دمشق و الكسوة - التي هي أول منزلة منها، وهم ما بين باك وحزين، ومتعجب ومتنزه، ومزاحم متغال فيه. ودخل الشيخ مدينة غزة يوم السبت، وعمل في جامعها مجلساً عظيما.

و في يوم الخميس الثاني و العشرين من رمضان وصل الشيخ و القاضي إلى القاهرة

وفي ثاني يوم بعد صلاة الجمعة، جمع القضاة، وأكابر الدولة بالقلعة لمحفل. وأراد عدلان خصما، احتساباً. وادعى عليه القاضي ابن مخلوف المالكي أنه يقول:

إن الله فوق العرش حقيقة، وإن الله يتكلم بحرف وصوت، وسأل جوابه.

فأحذ الشيخ في حمد الله و الثناء عليه.

فقيل له: أجب. ما جئنا بك لتحطب.

فقال: ومن الحاكم في؟

فقيل له: القاضي المالكي.

قال: كيف يحكم في و هو خصمي؟

وغضب غضباً شديداً، وانزعج.

فأقيم مرسما عليه. وحبس في برج أياما.

ثم نقل منه ليلة عيد الفطر إلى الحبس المعروف بالجب هو وأخواه: شرف الدين عبد الله، وزين الدين عبد الرحمن.

ثم إن نائب السلطنة - سيف الدين سلارا - بعد أكثر من سنة وذلك ليلة عيد الفطر من سنة ست و سبعمائة أحضر القضاة الثلاثة: الشافعي، و المالكي، و الحنفي - و من الفقهاء: الباجي، و الجزري، و النمراوي. و تكلم في إخراج الشيخ من الحبس.

فاتفقوا على أنه يشترط عليه أمور، ويلزم بالرجوع عن بعض الفقيدة.

فأرسلوا إليه من يحضره ليتكلموا معه في ذلك. فلم يجب إلى الحضور.

وتكرر الرسول إليه في ذلك مرات. وصمم على عدم الحضور.

فطال عليهم المجلس، و انصرفوا عن غير شيء.

قال ابن عبد الهادي:

وختم القرآن مدة إقامته بالقلعة ثمانين، أو إحدى و ثمانين ختمه انتهى في آخر ختمه إلى آخر اقتربت الساعة إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ? ()، ثم كملت عليه بعد وفاته، وهو مسجي.

كان كل يوم يقرأ ثلاثة أجزاء، يختم في عشرة أيام. هكذا أخبراني أخوه زين الدين.

وكانت مدة مرضه بضعه وعشرين يوما، وأكثر الناس ما علموا بمرضه، فلم يفجأ الخلق إلا نعيه، فاشتد التأسف عليه وكثر البكاء والحزن، ودخل إليه أقاربه و أصحابه وازدحم الخلق على باب القلعة و الطرقات، وامتلأ جامع دمشق و صلوا عليه، وحمل على الرءوس. رحمه الله ورضي عنه.

محنة شيخ الإسلام

يرويها بنفسه – رحمه الله تعالى –

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.

من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له ونشهد أن لا إله إلا الله. ونشهد أن محمدا عبده ورسوله. ? تسليما.

أما بعد

فقد وصلت ورقتك التي ذكرت فيها إخبارك الشيخ باجتماع الرسول بي، وما أخبرته به من الكلام. وأن الشيخ قال:

أعلم أني - والله - قد عظم عندي كيف وقعت الصورة على هذا - إلى آخره، وأنه قال: يجتمع بالشيخ، و يتفق معه على ما يراه هو و يختاره، إن يكن كما قلت أو غيره - فتسلم عليه () وتقول له: أنا، هذه القضية ليس لي فيها غرض معين أصلاً (). ولست فيها واحداَ من المسلمين، لي ما لهم وعلى ما عليهم، وليس لي - ولله الحمد - حاجة إلى شيء معين يطلب من المخلوق، ولا في ضرر يطلب زواله من المخلوق، بل أنا في نعمة الله سابغة، وحمة عظيمة، أعجز عن شكرها.

ولكن عليّ أن أطبع الله ورسوله، وأطيع أولى الأمر إذا أمروني بطاعة الله، فإذا أمروني بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. هكذا دل عليه الكتاب و السنة، واتفق عليه أئمة الأمة. قال الله تعالى:

? ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم. فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول. إن كنتم تؤمنون بالله واليوم والآخر. ذلك خير وأحسن تأويلا ? ()

وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال:

" لا طاعة لمخلوق في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف " () وأن أصبر على جور الأئمة، وأن لا أخرج عليهم في فتنة؛ لما في الصحيحين عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير