تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأنا - أو غيري - من أي القسمين كنت، فإن الله تعالى يعاملني و غيري بما وعده. فإن قوله الحق: وعد الله لا يخلف الله وعده.فقلت له في ضمن الكلام: الحق في هذه القضية ليس لي. لكن لله ولرسوله و لسائر المؤمنين من شرق الأرض إلى غربها، وأنا لا (أبتغي) () تبديل الدين و تغييره. وليس لأجلك أو أجل غيرك أرتد عن دين الإسلام، وأقر بلكفر و الكذب، و البهتان، راجعاً عنه أو موافقاً عليه.

[ثبات ضد الظلم]

ولما رأيته يلح في الأمر بذلك، أغلظت عليه في الكلام، و قلت: دع هذا الفشار ()، وقم رح في شغلك، فأنا ما طلبت منكم أن تخرجوني؛ وكانوا قد أغلقوا الباب القائم، الذي يدخل منه إلى الباب المطبق. فقلت أنا: افتحوا لي الباب حتى أنزل - يعنى فرغ الكلام.

وجعل غير مرة يقول لي: أتخالف () المذاهب الأربعة؟ فقلت: أنا ما قلت إلا ما يوافق المذاهب الأربعة، و لم يحكم علي أحد من الحكام إلا ابن مخلوف ()، وأنت كنت ذلك اليوم حاضراً.

وقلت له: أنت تحكم، أو أنت و هؤلاء؟ فقال: بل أنا وحدي. فقلت له: أنت خصمي، فكيف تحكم علي؟ فقال: كذا - ومد صوته، و انزوي إلى الزاوية - وقال: قم، قم. فأقاموني، وأمروا بي إلى الحبس. ثم جعلت أقول أنا واخوتي غير مرة: أنا أرجع و أجيب وإن كنت أنت الحاكم وحدك، فلم يقبل ذاك مني.

فلما ذهبوا بي إلى الحبس حكم بما حكم به، وأثبت ما أثبت، وأمر في الكتاب السلطاني بما أمر به. فهل يقول أحد من اليهود و النصارى - دع المسلمين - إن هذا حبس بالشرع؟ فضلاً عن أن يقال: شرع محمد بن عبد الله ?؟ وهذا مما يعلم الصبيان الصغار بالاضطرار من دين الإسلام: أنه مخالف لشرع محمد بن عبد الله. و هذا الحاكم - هو وذووه - دائما يقولون: فعلنا ما فعلنا بشرع محمد بن عبد الله

وما أشبه الليلة بالبارحة. وهذا الحكم مخالف لشرع الله الذي أجمع المسلمون عليه من أكثر من عشرين وجهاً؟ ثم النصارى في حبس حسن، يشركون فيه بالله، و يتخذون فيه الكنائس، فيا ليت حبسنا كان من جنس حبس النصارى، و يا ليتنا سوينا بالمشركين و عباد الأوثان. بل لأولئك الكرامة و لنا الهوان (). فهل يقول من يؤمن بالله و اليوم الآخر: إن رسول الله أمر بهذا؟

وثاني ذلك: حبس اخوتي في ذنب إنما ثبت بالكذب و البهتان. ومن قال: إن ذلك فعل بالشرع، فقد كفر بإجماع المسلمين. و قلت له في ضمن الكلام: أنت لو ادعى عليك رجل بعشرة دراهم، وأنت حاضر في البلد غير ممتنع من حضور مجلس الحكم: لم يكن للحاكم أن يحكم عليك في غيبتك، هذا في الحقوق، فكيف بالعقوبات التي يحرم فيها ذلك بإجماع المسلمين؟ ثم هذا الرجل قد ظهر لديه غير مرة ذلك اليوم كذب على في أكثر ما قاله وهذه الورقة التي أمر بكتابتها أكثرها كذب، و الكتاب السلطاني، الذي كتب بأمره، مخالف للشريعة من نحو عشرة أوجه وفيه من الكذب على المجلس الذي عقد أمور عظيمة، قد علمها الخاص و العام.

فإذا كان الكتاب الذي كتب على لسان السلطان و قرئ على منابر الإسلام: أخبر فيه عن أهل المجلس من الأمراء و القضاة بما هو من أظهر الكذب و البهتان، فكيف بما غاب عنهم؟

[تبديل كلام الخصم]

قلت: وهو دائما يقول عني: إني أقول: الله في زاوية، وكذا و كذا. وهذا كله كذب (). وشهرته بالكذب و الفجور يعلمها الخاص و العام. فهل يصح مثل هذا أن يحكم في أصول الدين، و معاني الكتاب والسنة، وهو لا يعرف ذلك؟ ورأيته هنا يبتسم تبسم العارف بصحة ما قلته؛ و كان سيرة هذا الحاكم مشهورة بالشر بين المسلمين. وأخذ يقول لي: هذى المحاضر، ووجدوا بخطك. فقلت: أنت كنت حاضراً ذلك اليوم، هل أراني أحد ذلك اليوم خطاً أو محضراً؟ أو قيل لي: شهد عليك بكذا، أو أسمع لي كلام؟ بل حين شرعت أحمد الله وأثنى عليه لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد فهو أجذم " () منعوني من حمد الله، و قالوا: لا تحمد الله، بل أجب. فقلت لابن مخلوف: ألك أجيب، أو لهذا المدعى؟ وكان كل منهما قد ذكر كلاما أكثره كذب. فقال: بل أحب المدعى. فقلت فأنت وحدك تحكم، أو أنت و هؤلاء القضاة؟ فقال: بل أنا وحدي. فقلت: فأنت خصمي، فكيف يصح حكمك علي؟ فلم يطلب مني

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير