وذكرت له: أن هذه القضية ليس ضررها علي، فإني أنا من أي شيء أخاف؟ إن قتلت كنت من أفضل الشهداء، وكان ذلك سعادة في حقي؛ يترضي بها على إلى يوم القيامة، و يلعن الساعي في ذلك إلى يوم القيامة؛ فإن جميع أمة محمد يعلمون أني أقتل على الحق الذي بعث الله به رسوله، و إن حبست: فوالله إن حبسي لمن أعظم نعم الله علي، و ليس لي ما أخاف الناس عليه، لا مدرسة ولا إقطاع، ولا مال، ولا رياسة، ولا شيء من الأشياء، و لكن هذه القضية ضررها يعود عليكم، فإن الذين سعوا فيها من الشام، أنا أعلم أن قصدهم فيها كيدكم، و فساد ملتكم ودولتكم، وقد ذهب بعضهم إلى بلاد التتر، وبعضهم مقيم هناك، فهم الذين قصدوا إفساد دينكم و دنياكم، و جعلوني أنا [ما نستر] * لعلمهم بأني أواليكم و أنصح لكم، و أريد لكم خير الدنيا و الآخرة؛ و القضية لها أسرار، كلما جاءت تنكشف، و إلا فأنا لم يكن بيني و بين أحد بمصر عداوة ولا بغضاء، و مازلت محباً لهم، موالياً لهم، أمرائهم و مشايخهم و قضاتهم.
فقال لي: فما الذي أقوله لنائب السلطان؟
فقلت: سلم عليه، و بلغه كل ما سمعت.
فقال: هنا كثير.
[الإجماع على أن الاستواء حقيقة]
فقلت: ملخصه أن الذي في هذا الدرج، أكثره كذب، و أما هذه الكلمة " استوى حقيقة ".
فهذه قد ذكر غير واحد من علماء الطوائف المالكية و غير المالكية: أنه أجمع عليها أهل السنة و الجماعة، وما أنكر ذلك أحد من سلف الأمة ولا أئمتها بل ما علمت عالماً أنكر ذلك، فكيف أترك ما أجمع عليه أهل السنة، و لم ينكره أحد من العلماء؟.
وأشرت بذلك إلى أمور، منها: ما ذكره الإمام أبو عمر الطلمنكي - وهو أحد أئمة المالكية قبل الباجي و ابن عبد البر و هذه الطبقة - قال: و أجمع المسلمون من أهل السنة أن معنى
? وهو معكم أينما كنتم. ()
ونحو ذلك من القرآن: أن ذلك علمه، وأن الله فوق السماوات بذاته، مستو على عرشه كيف شاء.
وقال أيضا: قال أهل السنة في قول الله:
. الرحمن على العرش استوى.إن الاستواء من الله علي عرشه المجيد، على حقيقة، لا على المجاز
وقال أبو عبد الله القرطبي صاحب التفسير المشهور في قوله تعالى
. ثم استوى على العرش. ()
قال: 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: هذه مسألة الاستواء.
للعلماء فيها كلام و إجراء، و قد بينا أقوال العلماء فيها في كتاب " الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى " وذكرنا فيها أربعة عشر قولا
إلى أن قال:
وقد كان السلف الأول -رضي الله عنهم - لا يقولون بنفي الجهة، ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم و الكافة بإثباتها لله تعالى، كما نطق به كتابة و أخبرت به رسله.
قال " و لم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة، وخص العرش بذلك لأنه أعظم المخلوقات، و إنما جهلوا كيفية " الاستواء " و أنه لا تعلم حقيقته، كما قال مالك " الاستواء معلوم - يعني في اللغة - و الكيف مجهول، و السؤال عن هذا بدعه " وكذلك قالت أم سلمة رضي الله عنها.
وقال هذا الشيخ - المشهور بمصر و غيرها " في كتاب شرح الأسماء - قال: وذكر الإمام أبو بكر محمد بن الحسن الحضرمي القيرواني الذي له الرسالة التي سماها " برسالة الإيماء، إلى مسألة الاستواء " لما ذكر اختلاف المتأخرين في الاستواء: قول الطبري - يعني أبا جعفر صاحب التفسير الكبير - و أبي محمد ابن أبي زيد، و القاضي عبد الوهاب و جماعة من شيوخ الحديث و الفقه - قال: و هو ظاهر بعض كتب القاضي أبي بكر - القاضي عبد الوهاب أيضاً، وهو أنه سبحانه مستو على العرش بذاته، و أطلقوا في بعض الأماكن " فوق عرشه " قال الإمام أبو بكر: و هو الصحيح الذي أقول به، من غير تحديد و لا تمكين في مكان، ولا كون فيه، ولا ماسة.
[ما قال السلف في مسألة الاستواء]
¥