وصف القاضى عياض قال رحمه الله بعد ما ذكر سورة الشرح: هذا تقريرمن الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على عظيم نعمه لديه، وشريف منزلتهعنده، وكرامته عليه، بأن شرح قلبه للإيمان والهداية ووسعه لوعى العلم وحمل الحكمه، ورفع عنه ثقل أمور الجاهلية عليه وبغضه لسيرها وما كانت عليه بظهور دينه علىالدين كله، وحط عنه عهدة أعباء الرسالة والنبوة لتبليغه للناس ما نزل إليهموتنويهه بعظيم مكانه وجليل رتبته ورفعة ذكره، وقرانه تعالى اسمه مع اسم نبيه.
• يقول القاضى عياض فى الشفا الباب الثانىفى تكميل اللهلنبيه صلى الله عليه وسلم خلقا وخُلقا:
إن خصال الجلال والكمال فى البشر نوعان:
1 - ضرورى دنيوى اقتضته الجبلة وضرورة الحياة.
2 - مكتسب دينى.
الضرورى المحض:
وهو ما ليس للمرء فيه اختيار ولا اكتساب مثل ما كان فى جبلته منكمال خلقته وجمال صورته وقوة عقله وصحة وفهمه وفصاحة لسانه وقوة حواسه وأعضائهواعتدال حركته وشرف نسبه وعزة قومه وكرم أرضه ويلحق به ما تدعوه ضرورة حياته إليهمن غذاء ونوم وملبس ومسكن ومنكح ومال وجاه.
المكتسبة الأخروية:
فسائر الأخلاق العلية والآداب الشرعية من الدين والعلم والحلموالشكر والعدل والزهد والتواضع والعفو والعفة والجود والشجاعة والحياء والمروءةوالصمت والوقار والرحمة وحسن الأدب والمعاشرة وجماع ذلك حسن الخلق.
وإذا كانت خصالالكمال والجلال ما سبق ووجدنا الواحد من البشر يشرف بواحدة أو اثنتين منها أن اتفقتله فى كل عصر وتضرب به الأمثال ويكون له فى القلوب أثرة عظيمة، فما ظنك بعظيم قدرمن اجتمعت فيه كل هذه الخصال إلى ما لا يأخذه عد ولا يعبر عنه مقال.
ولا ينال بكسب ولا حيلة إلا بتخصيص الكبير المتعال، ومن ذلك فضيلةالنبوة والرسالة والخلة والمحبة والإصطفاء والإسراء والرؤية والقرب والدنو والوحىوالشفاعة والوسيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود والبراق والمعراج والرسالةالعامة والصلاة بالأنبياء والشهادة بين الأنبياء والأمم وسيادة ولد آدم ولواء الحمدوالبشارة والنذارة والطاعة والأمانة والهداية ورحمة العالمين وإعطاء الرضا والكوثروالعفو عما تقدم وما تأخر وشرح الصدر ووضع الوزر ورفع الذكر وعزة النصر ونزولالسكينة والتأييد بالملائكة وايتاء الكتاب والحكمة والسبع المثانى والقرآن العظيموتزكية الأمة وصلاة الله والملائكة إلى آخر ما اختص به رسول الله صلى الله عليهوسلم.
ثم يقول: إعلم نور الله قلبى وقلبك وضاعف فى هذا النبىالكريم حبى وحبك أنك إذا نظرت إلى خصال الكمال التى هى غير مكتسبة وفى جبلتهالشريفة وجدته عليه الصلاة والسلام جائزا لجميعها محيطا بكل محاسنها دون خلاف بيننقله الأخبار بذلك، بل قد بلغ بعضها مبلغ القطع.
- أماالصورة وجمالهاوتناسب أعضائه صلى الله عليه وسلم فىحسنها فقد جاءت الآثار الصحيحة والمشهورة الكثيرة بذلك. ثم جاء بأحاديث أوصاف رسولالله صلى الله عليه وسلم.
- وأماوفور عقلهصلى الله عليه وسلم وذكاء لبه وقوة حواسهوفصاحه لسانه واعتدال حركته وحسن شمائله فلا مرية أنه كان أعقل الناس وأذكاهم، ومنتأمل تدبيره أمر بواطن الخلق وظواهرهم وسياسته العامة والخاصة مع عجيب شمائله وبديعسيره فضلا عما أفاضه من العلم وقرره من الشرع دون تعلم سبق ولا ممارسة تقدمت ولامطالعة منه للكتب لم يشك فى رجحان عقله وثقوب فهمه لأول بديهه وهذا ما لا يحتاج إلىتقريره لتحققه، ثم ساق الأحاديث الدالة على ذلك.
- وأماشرف نسبهصلى الله عليه وسلم وكرم بلده ومنشئه فممالا يحتاج إلى إقامة دليل عليه.
- وأما ما تدعوضرورة الحياة إليهفعلى ثلاثة ضروب:
ضرب الفضل والمدح فى قلته: كالغذاء والنوم، فقد كان النبى صلىالله عليه وسلم قد أخذ من ذلك بالأقل.
ضرب التمدح فيه بكثرته: كالنكاح والجاه لأن النكاح دليل الكمالوصحه الذكور.
وضرب تختلف فيه الحالات: ككثرة المال وجاء بالأحاديث الدالة علىالجود الكامل لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
• الخصالالمكتسبة من الأخلاق الحميدة والآداب الشريفة:
فقد اتفق جميع العقلاء على تفضيل من اتصف منها بالخلق الواحد وبعضهاوصفها الشرع بأنها من أجزاء النبوة وهى المسماه بحس الخلق وقد كانت أخلاق نبينامحمد صلى الله عليه وسلم على الانتهاء فى كمالها والاعتدال فى غايتها حتى أثنى اللهتعالى عليه بذلك فقال " وإنك لعلى خلق عظيم "
- ثم ذكر كمال رسول الله في خلق الحلم والاحتمال والعفو والقدرةوالصبر على ما يكره وجاء بالأحاديث الوارد ه في ذلك.
- ثم ذكر كماله فى الجود والكرم والسخاء والسماحة وجاء بالأحاديثالواردة فى ذلك.
- ثم ذكر الشجاعة والنجدة ثم الحياء والإغضاء ثم حسن العشرة والآدبوبسط الخلق ثم الشفقة والرحمة بجميع الخلق ثم الوفاء ثم الوقار والصمت والتؤدةوالمروءة ثم الزهد وجاء بالأحاديث الكثيرة الدالة على كل خلق من هذه الأخلاق.
¥