تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بذل السلطان السعدي الغالب بالله الوعود المعسولة لرسل الثوار البورشارات ووعدهم بالنصر وتقديم كل مايحتاجونه من عتاد وسلاح ورجال ... ، لكن استمر الغالب بالله محافظاً على روابطه الودية مع فيليب الثاني، وعمل على خذلان أهل الأندلس: (وأما أهل الأندلس وغشه لهم وتوريطهم للهلكة في دينهم وأقوالهم وأولادهم وفي نفوسهم فأمر مستعظم عند جميع من في قلبه ذرة من الايمان، وأدنى مملكة من الاسلام وذلك أنه لما احتوى عليهم النصراني، وأخذ جميع أراضيهم وشملها سلطانه، بقي المسلمون بضع سنين تحت الذمة والذلة فقهروهم بكثرة المكس، فصاروا يكتبون الى ملوك المسلمين شرقاً وغرباً وهم يناشدونه الله في الإغاثة وأكثر كتبهم الى مولاي عبدالله لأنه هو القريب الى أراضيهم، زمان قد قوي سلطانه وصحت أركانه وجندت أجناده وكثرت أعداده فأمرهم غشاً منهم بأن يقوموا مع النصارى ليثق بهم في قولهم ويظهروا فعلهم، فما قاموا على النصارى تراخى عما وعدهم به من الإغاثة وكذب عليهم وغشا منه لهم ولدين الله عز وجل ومصلحة لملكه الزائل وكانت بينه وبين النصارى مكاتبات في ذلك ومراسلات، وأنه استشار معهم وأشار عليهم أن يخرجوا أهل الأندلس الى ناحية المغرب وقصده بذلك تعمير سواحله ويكون لهم بمدينتي فاس ومراكش جيش عظيم ينتفع به في صالح ملكه).

تسارعت الاحداث في اسبانيا، وبلغ عدد المجاهدين في أوائل سنة 976هـ/1569م أكثر من مائة وخمسين ألف، وصادف تلك الثورة صعوبات كبيرة بالنسبة للحكومة الاسبانية، إذ كانت غالبية الجيش متقدمة مع دوق البابا في الأراضي المنخفضة وأثبتت الدوريات البحرية أنها غير قادرة على حرمان الثوار المسلمين من الاتصال بالعثمانيين في الجزائر.

قلج علي يقف موقف الأبطال مع مسلمي الأندلس:

كان قلج علي على اتصال مباشر بقيادة مسلمي الأندلس عبر قنوات خاصة أشرف عليها جهاز الاستخبارات العثمانية واستطاع هذا القائد أن يمد الثوار في اسبانيا بالرجال والاسحلة والعتاد، وتم الاتفاق مع مسلمي الاندلس على القيام بثورة عارمة في الوقت الذي تصل فيه القوات الاسلامية من الجزائر الى مناطق معينة على الساحل الاسباني.

جمع قلج علي جيشاً عظيماً قوامه أربعة عشر ألف رجل من رماة البنادق وستين ألفاً من المجاهدين العثمانيين من مختلف أرجاء البلاد، وأرسلهم الى مدينتي مستغانم ومازغران استعداداً للهجوم على وهران ثم النزول في بلاد الأندلس، وكان يرافق ذلك الجيش عدداً كبيراً من المدافع وألف وأربعمائة بعير محملة بالبارود الخاص بالمدافع والبنادق.

وفي اليوم المتفق عليه وصلت اربعون سفينة من الأسطول العثماني أمام مرسى المرية الاسباني، لشد آزر الثورة ساعة نشوبها لكن أخفق ذلك المخطط وذلك بسبب سوء تصرف أحد رجال الثورة الأندلسيين إذ انكشف أمره فداهمه الاسبان، وضبطوا ماكان يخفيه من سلاح بعد أن نجح قلج علي في انزال الأسلحة والعتاد والمتطوعين على الساحل الاسباني، لم تقع الثورة في الموعد المحدد لها، وضاعت بذلك فرصة مفاجئة الاسبان.

لقد قام قلج علي في شعبان سنة 976هـ/ يناير سنة 1569م ببعث اسطول الجزائر لتأييد الثائرين في محاولتهم الأولى، وحاول انزال الجند العثماني في الأماكن المتفق عليها، لكن الاسبان كانوا قد عرفوا ذلك بعد اكتشاف المخطط فصدوا قلج علي عن النزول وكان الثورة في عنفوانها، وزوابع الشتاء قوية في البحر فالأسطول الجزائري صار يقاوم الاعاصير من أجل الوصول الى أماكن أخرى من الساحل ينزل بها المدد المطلوب، إلا أن قوة الزوابع أغرقت 32 سفينة جزائرية تحمل الرجال والسلاح، وتمكنت ست سفن من انزال شحنتها فوق سواحل الأندلس، وكان فيها المدافع والبارود والمجاهدين.

استمر قلج علي في امداد مسلمي الأندلس رغم الكارثة التي حلت بقواته، وتمكن ذلك المجاهد الفذ من انزال اربعة آلاف مجاهد من رماة البنادق مع كمية كبيرة من الذخائر وبعض من قادة المجاهدين العثمانيين، للعمل في مراكز قيادة جهاد مسلمي الأندلس.

وعاد العثمانيون فأرسلوا دعماً جديداً من الرجال والسلاح وإعانة للثورة الاندلسية، فصدرت الأوامر الى قلج علي بذلك في 23 شوال 977هـ/31 مارس 1570م ( ... عليك بالتنفيذ بما جاء في هذا الحكم حال وصوله وأن تعاون أهل الاسلام المذكورين بكل مايتيسر تقديمه لهم وأن الغفلة عن الكفار أصابهم الدمار غير جائزة ... ) وكان القائد المجاهد قلج علي قد عزم على الذهاب بنفسه ليتولى قيادة الجهاد هناك لكن ماشاع عن تجمع الاسطول الصليبي للقيام بمعركة حاسمة مع المسلمين وأمر السلطان العثماني له بالاستعداد للمشاركة في هذه المعركة جعله مضطراً للبقاء في الجزائر منتظراً لأوامر استانبول.

وفي غمرة الثورة الاندلسية اتهم زعيم الثورة ابن أمية بالتقاعس عن الجهد وهاجمه المتآمرون وقتل في منزله واختير مولاي عبدالله بن محمد بن عبو بدلاً منه وبعث قلج علي تعزيزات له ونجح الزعيم الجديد في حملاته الأولى ضد النصارى الاسبان وطوق جيشه مدينة أرجيه.

انزعجت الحكومة الاسبانية لهذا التطورات وعينت دون جوان النمساوي على قيادة الاسطول الأسباني (وهو ابن غير شرعي للأمبراطور شارل) فباشر قمع الثورة في سنواتها 977 - 987هـ/1569 - 1570م، وأتى من الفظائع مابخلت بأمثاله كتب الوقائع فذبح النساء والأطفال أمام عينيه، وأحرق المساكن ودمر البلاد وكان شعاره لاهوادة وانتهى الأمر بإذعان مسلمي الأندلس، لكنه إذعان مؤقت، إذ لم يلبث مولاي عبدالله أن عاد الكرة، فاحتال الاسبان عليه، حتى قتلوه غيلة ونصبوا رأسه منصوباً فوق أحد أبواب غرناطة زمناً طويلاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير