معركة وادي المخازن:
إن من الأعمال العظيمة التي قامت بها الدولة السعدية في زمن السلطان عبدالملك انتصارهم الرائع والعظيم على نصارى البرتغال في معركة الملوك الثلاثة، والتي تسمى في كتب التاريخ معركة القصر الكبير أو معركة وادي المخازن بتاريخ: 30 جمادي الثانية 986هـ الموافق 4 آب (أغسطس) 1578م.
لقد كان لتلك المعارك أسباب من أهمها:
1 - أراد البرتغاليون أن يمحو عن أنفسهم العار والخزي الذي لحقهم بسبب ضربات المغاربة الموفقة والتي جعلتهم بنسحبون من أسفى وأزمور وأصيلا وغيرها في زمن يوحنا الثالث آب (1521 - 1557م).
2 - أراد ملك البرتغال الجديد سبستيان ابن يوحنا أن يخوض حرباً مقدسة ضد المسلمين حتى يعلو شأنه بين ملوك أوروبا، وزاد غروره بعد ماحققه البرتغاليين من اكتشافات جغرافية جديدة أراد أن يستفيد منها من أجل تطويق العالم الاسلامي يدفعه في ذلك حقده على الاسلام وأهله عموماً، وعلى المغرب خصوصاً، لقد جمع ذلك الملك بين الحقد الصليبي والعقلية الاستعمارية التي ترى أن يدها مطلقة، في كل أرض مسلمة تعجز عن حماية نفسها من أي خطر خارجي من جهة اخرى، ومن جهة اخرى خطط لغزو واحتلال المغرب.
حشود النصارى:
استطاع سبستيان أن يحشد من النصارى عشرات الألوف من الاسبان والبرتغاليين والطليان والألمان وجهز هذه الألوف بكافة الأسلحة الممكنة في زمنه، وجهز ألف مركب لتحمل هؤلاء الجنود نحو المغرب.
ووصلت قوات النصارى الى طنجة واصيلا في عام 1578م.
الجيش المغربي:
كانت الصيحة من جنبات المغرب الأقصى: "أن أقصدوا وادي المخازن للجهاد في سبيل الله".
والتقت جموع المغاربة حول قيادة عبدالملك المعتصم بالله، وحاول المتوكل المخلوع أن يخترق ذلك التلاحم فكتب الى أهل المغرب مااستنصرت النصارى حتى عدمت النصرة من المسلمين وقد قال العلماء: إنه يجوز للانسان أن يستعين على من غصبه حق بكل ماأمكنه وتهددهم قائلاً: {فإن لم تفعلوا، فأذنوا بحرب من الله ورسوله} سورة البقرة.
فأجابه علماء المغرب عن رسالته برسالة دحضت أباطيله، وفضحت زوره وبهتانه وكذبه، ومما جاء فيه: (الحمدلله كما يجب لجلاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير أنبيائه ورسله، والرضى به، حتى أسس الله دين الاسلام بشروط صحته وكماله وبعد:
فهذا جواب من كافة الشرفاء والعلماء والصلحاء والأجناد من أهل المغرب.
لو رجعت على نفسك اللوم والعتاب، لعلمت أنك المحجوب والمصاب .. وأما قولك في النصارى فإنك رجعت الى أهل العدوة واستعظمت أن تسميهم بالنصارى، فيه المقت الذي لايخفى، وقولك رجع إليهم حين عدمت النصرة من المسلمين ففيه محظورات يحضر عندهم غضب الرب جل جلاله، أحدهما: كونك اعتقدت أن المسلمين كلهم على ضلال، وأن الحق لم يبق من يقوم به إلا النصارى والعياذ بالله.
والثاني: إنك استعنت بالكفار على المسلمين: قال عليه الصلاة والسلام. إني لا استعين بمشرك .. الاستعانة بهم -بالمشركين- على المسلمين فلا يخطر إلا على بال من قلبه وراء لسانه، وقد قيل قديماً: لسان العاقل من وراء قلبه .. وقولك: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، إيه أنت مع الله ورسوله ولما سمعت جنود الله وأنصاره وحماة دينه من العرب والعجم قولك هذا، حملتهم الغيرة الاسلامية والحمية الايمانية، وتجدد لهم نور الايمان وأشرق عليهم شعاع الايقان؛ فمن قائل يقول لا دين إلا دين محمد صلى الله عليه وسلم، ومن قائل يقول: سترون ما أصنع عند اللقاء، ومن قائل يقول: {وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين .. } (سورة العنكبوت: آية 110) وقد افتخرت في كتابك بجموع الروم وقيامهم معك، وعولت على بلوغ المُلك بحشودهم، وأني لك هذا مع قول الله تعالى: {ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} ولما عاين أهل القصر الكبير النصارى واستبطؤوا وصول السلطان عبدالملك أرادوا الفرار والتحصن في الجبال، فقام الشيخ أبو المحاسن يوسف الفاسي بتثبيت الناس.
¥